المغرب يتنفس فلسطين وصيحة الرباط رسالة للأمة: استفيقوا قبل أن تُغلق الأبواب عليكم

د. محمد السنوسي

في زمن تتعثر فيه كثير من العواصم، وتنطفئ فيه كثير من المبادئ، ينهض المغرب من جديد، لا بقرار رسمي ولا بإيعاز من مؤسسات، بل بصوت الشعب.
هذا الشعب الذي لا ينسى، لا يُخدَع، لا يُساوم، ولا يتنازل عن ثوابته الوجدانية والتاريخية.

من قلب الرباط، العاصمة، وفي لحظة كان الظن فيها أن الوعي خَمد، خرجت الحناجر من أعماق الكرامة تصرخ باسم فلسطين، ليس تضامنًا عابرًا، بل تأكيدًا على التزام وجودي مع قضية تختصر كل قضايا العدالة في العالم.

ما جرى مؤخرا في الرباط لم يكن مجرد وقفة تضامنية مع فلسطين. كان صفعة في وجه الخيانة، في وجه التواطؤ، في وجه التطبيع البارد الذي يريد إعادة تشكيل الوعي العربي على مقاس الاستسلام.

ليست مجرد مظاهرة… بل شهادة على زمن الانحطاط وزمن اليقظة

ما جرى في شوارع الرباط لم يكن تظاهرة في روزنامة موسمية. كان فعلًا سياسيًا عميقًا، يحمل في طياته كل الرفض لكل ما يُدبّر في العلن والظل ضد فلسطين، وضد الشعوب.
كان المشهد المغربي يوم أمس، امتدادًا لسلسلة لا تنكسر من الفعل الشعبي، الذي لم يتوقف لحظة واحدة منذ بداية العدوان الصهيوني المتجدد على غزة.
16 شهرًا من الإبادة الجماعية، والجرائم ضد الإنسانية، والتدمير الكامل لكل مقومات الحياة ولم يفتر صوت المغاربة.

المغرب يتنفس فلسطين… لأنها ليست قضية جغرافيا، بل قضية ضمير

الفرق الجوهري اليوم ليس بين من يناصر فلسطين ومن لا يناصرها، بل بين من يرى فيها قضية ضمير، وكرامة، ومصير، ومن لا يزال يتعامل معها كـ”ملف سياسي” يمكن التفاوض عليه أو التنازل عنه.
وهذا الفرق، هو بالضبط الفارق بين شعب حيّ وشعب مخدّر.
والمغرب، بكل بساطة، اختار أن يكون حيًّا.

هذا البلد، الذي خرج من رحم المقاومة، من بطون التضحيات، ومن ذاكرة الأندلس وندوب الاستعمار، لا يمكن أن يفرّط في فلسطين. ليس فقط لأنه يتضامن، بل لأنه يعتبرها امتدادًا لذاته.

فلسطين في المخيال المغربي ليست “قضية خارجية”.
هي داخله، في وجدانه، في يومياته، في شيفرة كرامته.
المغاربة لم يترددوا لحظة ليسألوا: “هل ما يجري في غزة يخصنا؟”
لأنهم يعرفون أن فلسطين لا تُحدّ بخطّ أخضر أو أحمر.
هي ليست موقعًا على الخريطة.
هي المِحكّ الأخلاقي لوجودنا الجماعي.

إذا صمدت، صمدنا.
وإذا سقطت، سقطنا جميعًا.
وإذا تخلينا عنها، فإننا لا نتخلى عن شعب بعيد… بل نتخلى عن أنفسنا.

المغاربة لا يصمتون، لأنهم يدركون أن الصمت اليوم خيانة.
ولا يخرجون إلى الشوارع من أجل الخبز أو المطالب المعيشية… بل من أجل كرامة الأمة.
وهذه ليست حركة احتجاجية عادية، بل استمرارية لوعيٍ حضاري، متجذر، ينتقل من الآباء إلى الأبناء، كما تُنقل الوصايا الكبرى.

من طنجة إلى الكويرة، من الأزقة إلى الجامعات، من الأسواق الشعبية إلى منابر الجمعة، من لوحات الجداريات إلى شعارات الملاعب… فلسطين هي الذاكرة الجماعية، والراية التي لم تسقط رغم تبدل الأزمنة.

ولذلك، فإن كل من يتعامل مع فلسطين بمنطق “البراغماتية”، أو يسوّق للتطبيع تحت مسميات المصالح، لا يفهم شيئًا من هوية هذا الشعب.
لأن فلسطين، هنا، ليست قضية تَفاوض.
بل هي قسم لا يُنقض.

الشعب يصرخ: لا للتطبيع… لا للخيانة… لا للتواطؤ

حين تصرخ حناجر الناس: “فلسطين أمانة”، فهي لا تخاطب فقط الكيان الصهيوني، بل تخاطب أيضًا أولئك الذين باعوا القضية، أو تواطؤوا بالصمت أو بالكلمة أو بالعلاقات السرية والعلنية.
التطبيع لم يمر يومًا في الضمير المغربي، حتى حين حاولت بعض السياسات الرسمية تزيينه أو تمريره، بقي الشعب ثابتًا على موقفه:

“لا خيانة لفلسطين… ولا صفقة مع الاحتلال.”

إلى الشعوب العربية: إما أن تستفيقوا… أو ستُغلق الأبواب إلى الأبد

الرسالة التي صدحت بها الرباط البارحة  لم تكن محلية.
كانت موجهة لكل الشعوب العربية، من المحيط إلى الخليج:

استيقظوا. لا تتركوا الأبواب مواربة، لأن الأعداء يتسللون من الشقوق، وحين تُغلق الأبواب، سيكون الأوان قد فات.”

نعم، كثير من الأنظمة طبّعت، كثير من النخب سقطت، كثير من المثقفين صمتوا، ولكن هذا لا يلغي أن هناك شعوبًا ما زالت تنبض، وأولها المغرب.

رسالة المغاربة ليست فقط دعمًا للفلسطينيين، بل صفعة في وجه التطبيع، وإدانة صارخة لكل من خان، ولكل من تخلّى، ولكل من لم يعد يرى في فلسطين إلا ورقة تفاوض.

فلسطين اليوم تُذبح… ولكنها لم تُهزم

في غزة يُذبح الأطفال، تُغتال العائلات، تُحرَق المستشفيات، ويُحاصَر الناس بالموت.
لكن صوت الشعب المغربي – الذي لم يسكت يومًا – يقول:

“لسنا شعبًا يراقب. نحن شعب ينخرط. لا نتفرج على الموت، بل نصرخ في وجهه.”
“فلسطين لن تُترك وحدها، ولو تخلّى عنها الجميع. نحن هنا… شعبًا، وذاكرة، وإرادة.”

ختاما، فلسطين ليست قضية الفلسطينيين… إنها قضيتنا جميعًا

ما يجري اليوم ليس معركة بين جيشين، بل بين مشروعين:
مشروع استعماري غاشم يسعى إلى محو الهوية والحق، ومشروع تحرري نابع من قلب الشعوب الحرة.

والمغرب، بشعبه، يقف في الصف الأول من هذا المشروع المقاوم، كما فعل دائمًا.

نحن المغاربة، لا نبيع فلسطين، لأنها تسكن فينا أكثر مما يسكن بعض الناس في أوطانهم.”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى