هذا يهم المقبلين على التقاعد.. كيف تتصور الحكومة إصلاح أنظمة التقاعد

إصلاح لا زالت تحيط به ضبابية وعدم وضوح الرؤية

صوت المتقاعد- 01/ 15 غشت 2020

لا زال القرار الذي اتخذته حكومة سعد الدين العثماني للمضي قدما في إصلاح حاسم لصناديق التقاعد المغربية، عبر إيجاد نوع من التناسق والتقارب بين قطبيها العمومي والخاص، محل نقاش وطني داخل البرلمان أو في تقارير المؤسسات المختصة كالمجلس الأعلى للحسابات أو المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي.

وبرغم هذا النقاش الوطني الواسع، فإن حيثيات هذا القرار لا زالت تحيط كثير من الضبابية وعدم وضوح الرؤية لا سيما في قطاع عريض من المقبلين على التقاعد أو في وسط المتقاعدين أنفسهم، بحيث إن كثيرا من هؤلاء وأولئك يتصورون أنه مهما كانت طبيعة هذا الإصلاح فإنه سينال من بعض مكتسابتهم وسيضر بقدرتهم المعيشية.

كيف يتم تصور شكل إصلاح أنظمة التقاعد المغربية

قطبان عمومي وخاص

يتكفل مكتب للدراسات تم انتقاؤه من طرف الجهات المختصة بترجمة التصور الحكومي لإصلاح أنظمة التقاعد الذي يرتكز على إدماج الصندوق المغربي للتقاعد الذي ينخرط فيه الموظفون العموميون في صندوق النظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد المخصص للموظفين والمستخدمين في مؤسسات وشركات عمومية.

وفي القطاع الخاص، يتضمن التصور المطروح إدماج الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، الذي يعتبر الانخراط فيه إجباريا بالنسبة لأجراء القطاع الخاص، في الصندوق المهني المغربي للتقاعد، الذي يعتبر الانخراط فيه اختياريا بالنسبة لهذا القطاع. وتتمثل مهمة المكتب المكلف بالدراسة في تشخيص وضعية صناديق التقاعد وتحليل القيام بالتصور الفني للنظام ثنائي القطب، كما يتوجب عليه اقتراح طريقة إدارته وتدبيره، ورسم كيفية ذلك الانتقال من النظام الحالي إلى النظام الجديد.

ويجري حاليا إنجاز هذه الدراسة التي تشارك فيها صناديق التقاعد الأربعة المعنية بإصلاح أنظمة التقاعد وكذا القطاعات الحكومية المعنية بهدف تحديد كيفيات تنزيل الإصلاح الشمولي المبني على اعتماد نظام القطبين، قطب عام وقطب خاص، واستثمار نتائج هذه الدراسة، التي انطلقت في مارس 2019 ، وفق مقاربة تشاركية واسعة في إعداد خارطة طريق للإصلاح الشمولي لمنظومة التقاعد، وهو ما يعني نية الحكومة في استكمال التنزيل التدريجي للإصلاح المقياسي لنظام المعاشات المدنية الذي تم اعتماده في بداية شتنبر 2016.

ومهما كانت نتيجة هذه الدراسة، فإن الحكومة ستجد نفسها مضطرة للعمل وفق منهج التدرج في التنزيل والحفاظ على الحقوق المكتسبة حتى لا تكرس مخاوف المقبلين على التقاعد، وهو ما جعلها تخوض مفاوضات عسيرة مع التنظيمات العمالية وأرباب العمل.

نظام القطبين بعد رفع سن التقاعد

يظهر أن سياسة إدماج صناديق التقاعد ضمن قطبين عمومي وخاص، قد سبقه اجراء أثير من الجدل قبل إقراره في الحكومة السابقة التي قادتها حزب العدالة والتنمية، ويتعلق الأمر برفع السن القانونية للإحالة على التقاعد في الوظائف العمومية من 60 إلى 63 عاما، بمعدل ستة أشهر في السنة، واحتساب مبلغ المعاش على أساس 2 في المائة من الأجر المرجعي لمدة الخدمة عوض 2.5 في المائة.

ويظهر من هذا القرار أن تدبير هذا الملف من طرف الحكومة كان يحكمه أساسا هاجس التوازنات المالية، وليس الاعتبارات التنظيمية أو الاجتماعية، ومرد ذلك إلى التخوفات من نفاد الاحتياطيات من عام 2022 إلى 2027، ما يفسر سعي الحكومة للانتقال بالسرعة القصوى عبر التوجه نحو قطبين.

وبالنسبة لبعض المنظمات النقابية، فإن الإصلاح الذي انخرطت فيه الحكومة قبل ثلاثة أعوام يعتريه النقص وغير مكتمل، لأنه لم يتناول صناديق التقاعد الأخرى، وكأن الحكومة وفق رؤية تُحمِّل فيها الموظفين مسؤولية أزمة الصندوق المغربي للتقاعد.

وطال بعض ممثلي هيئات الموظفين بضرورة تكريس المساواة بهذا الخصوص، والبحث في العناصر الحقيقية التي أدت إلى الأزمة التي يعاني منها نظام التقاعد بالمغرب.

لكن رغم الخطوات التي بذلت من أجل تفادي تداعيات هذه الأزمة، فإن مؤسسات الدولة المعنية بالافتحاص العمومي، كالمجلس الأعلى للحسابات، ترى أن ذلك لم يكن كافيا في إيقاف تدهور العجز المالي للصندوق المغربي للتقاعد مثل ما سجل ذلك تقرير لذات المجلس.

وبينما ترى أطراف معنية بهذا الملف، أن الحكومة لن تجد مصاعب أمامها في دمج صناديق القطاع العمومي، فإن العراقيل ستظهر في عملية الدمج التي تهم القطاع الخاص، لا سيما أن مؤسستي صندوق الضمان الاجتماعي والصندوق المهني للتقاعد، لهما نظامان قانونيان مختلفان، عدا أن طريقة احتساب التقاعد طريقتان مختلفتين. ومما لا شك فيه أن الحكومة ستعمل ضمن مقاربة تعطي الأولوية لتوازن الصناديق، والحفاظ على استمرارية صرف المعاشات في الآماد المنظورة، حتى وإن تعلق الأمر بتعديل معايير تحديد قيمة تلك المعاشات.

هل سيحد الإصلاح من التفاوت الصارخ بين المعاشات

لا يمكن الجزم في مدى الفروقات التي ستطرأ بين المعاشات ضمن كل من القطبين العمومي والخاصن مع أن المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي يوصي بتوحيد أنظمة التقاعد، ضمن آجال تتراوح بين خمس وسبع سنوت، حيث يدعو لنظام معاشات عمومي إجباري، يسير عبر التوزيع، يضم النشيطين في القطاعين العام والخاص، على أساس اشتراكات محدد سلفا.

كما يفترض تحويل الصندوق المهني المغربي للتقاعد إلى جهاز تكميلي للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي الخاص بالقطاع الخاص، مع مساهمات محددة انطلاقا من السقف الذي يحدده الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي.

ومعلوم أن تفاوت مقاييس احتساب معاشات المتقاعدين المغاربة يمثل مشكلة حادة ليست وليدة اليوم، إذ أن المعاشات التي يتيحها الصندوق المغربي للتقاعد، تصل إلى 100 في المائة من الأجر الذي يتلقاه الموظف خلال ثمانية أعوام، بسبب عدم تحديد سقف المعاشات، بينما لا يمكن أن يتجاوز المعاش في القطاع الخاص زهاء 4500 درهما بسبب تحديد سقف المساهمات.

ويعتبر المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، أن تحديد سقف المساهمات في الصندوق المغربي في 6000 درهما، يشكل عاملا مفسراً لتدهور القدرة الشرائية للمتقاعدين في القطاع الخاص، ويخلق نوعا من اللامساواة مع المنخرطين في الأنظمة الأخرى. أما متوسط معاشات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، فيصل إلى حوالي 2000 درهم في الشهر، بينما يبلغ لدى الصندوق المغربي للتقاعد الحكومي حوالي 7300 درهما، ونحو 5000 درهم لموظفي المؤسسات والشركات الحكومية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى