بين خذلان القمم وصمود غزة: الأمة تختار الكرامة بالشهادة

بقلم: د. محمد السنوسي

انعقد مؤتمر القمة في الدوحة في لحظة حرجة، حين كانت الأمة بأمس الحاجة إلى مواقف حاسمة وقرارات واضحة تجاه الأحداث المتصاعدة في غزة والضفة الغربية، وغيرها من مناطق الصراع في المنطقة. جاء المؤتمر بعد عدوان سافر طال حتى عاصمة عربية، وكان ينتظر من القمة أن تقدم رؤية واضحة وتضبط الموقف الجماعي.

إلا أن المؤشرات الرسمية كشفت عن تردد فاضح وصمت مهيمن، والبيان الختامي أظهر ضعفًا غير مسبوق في تاريخ الأمة المعاصر. بدا كما لو أن الأزمة تجاوزت إرادة القادة، أو أن الموازين السياسية والدبلوماسية حالت دون اتخاذ قرار حاسم. النتيجة واضحة: شعور عام بالإحباط والاستياء يتسرب إلى المجتمع العربي والإسلامي، وغيم من القلق والخزي يخيم على أحرار العالم ومناهضي الظلم والاستبداد في كل بقاع الأرض، تاركًا فراغًا استراتيجياً تستغله قوى الظلم لتعميق مصالحها والسيطرة على الواقع.

في المقابل، يكتب أهل غزة درسًا عمليًا لا يُمحى في الجسارة والقرار الجريء، درسًا يتجاوز حدود الشعارات ليغدو دستورًا للإرادة الشعبية الحية. يومًا بعد يوم، وهم يُهجَّرون ويُجَوَّعون ويُقصفون ويُبادون على مرأى ومسمع العالم كلّه، وفي تحدٍ وقح لكل القيم الإنسانية والقوانين الدولية، يواجهون الموت بأقصى أشكاله، ليعلنوا للعالم أن إرادة الشعوب حين تُعقد لا تنكسر، وأن الصمود الشعبي قادر على قلب المعادلات مهما عظمت شراسة العدوان.

غزة اليوم ليست مجرد قطاع محاصر؛ بل القلب النابض للأمة، المرآة التي تعكس حقيقتها، والضمير الذي يفضح زيف القمم وصمت الساسة. هناك، يرفض شعب بأكمله أن يُدفن حيًا في الذل، ويختار الكرامة مهما كان الثمن، حتى لو كان أرواحًا تُزهق وبيوتًا تُهدم وأحلامًا تُدفن تحت الركام. هذا الموقف ليس اندفاعًا نحو العنف، بل إعلان وجود أخلاقي: رفضٌ للاستسلام، وتمرد على الصفقات الرخيصة، وإصرار على أن الأرض لا تباع، وأن الكرامة لا تُساوَم.

إن غزة تعلّم الأمة أن القرار الحقيقي لا يُكتب في قاعات المؤتمرات، ولا يُختزل في بيانات باردة؛ بل ينبع من قلب جمعي لا يعرف المساومة، من شعب يضع قيمه في الميزان ويحوّل الخوف إلى إرادة، والجرح إلى صمود، والدم إلى شهادة. فهنا يتجسد اليقين بأن السلطة بلا حق وهم، وأن القيادة بلا كرامة سقوط، وأن المستقبل يُصنع في الشوارع والبيوت المحترقة، لا في المكاتب المكيّفة.

إن التضحية والاستشهاد بالنسبة لغزة ليست مجرد رموز، بل أدوات استراتيجية حقيقية لدحر وكسر غرور العدو، ولتأكيد أن العيش بكرامة أو الموت دفاعًا عن الأرض والمقدسات ليس شعارًا، بل معادلة وجودية أساسية. غزة اليوم لم تعد مجرد قطاع تحت الحصار، بل صرح حي للكرامة والصمود، ومثال حي على أن القوة الحقيقية تنبع من الإصرار الشعبي والإيمان الراسخ بالمصير المشترك للأمة، وليست من البيانات الرسمية أو المؤتمرات الدبلوماسية التي قد تتباطأ أو تتردد.

من هذا المنظور، تتجلى معادلة أساسية: الحرية لا تُمنح، بل تُنتزع بالإرادة والصمود، والكرامة لا تُعطى، بل تُكتسب بالشهادة والاباء. أي محاولة لفرض الصمت أو المهادنة أمام الظلم ليست مجرد إخفاق سياسي، بل فشل كامل في قراءة الديناميات الحقيقية للشعوب الحية. إن الإرادة الجماعية، حين تتجذر في قلوب الشعوب، قادرة على إعادة رسم الموازين الاستراتيجية، وتحويل الهزيمة المعلن عنها إلى قوة حقيقية، حتى عندما تتخلى المؤسسات الرسمية عن مسؤولياتها أو تتردد في اتخاذ القرار.

كما أن تجربة غزة تعلم الأمة درسًا استراتيجيا مزدوجًا:

  1. أن المبادرة الحقيقية تنطلق من الشعب قبل القمة، وأن إرادة الشعوب يمكن أن تفرض واقعًا جديدًا على المواقف الرسمية المترددة.
  2. أن التضحيات الفردية والجماعية ليست عبثًا، بل أدوات لبناء قوة معنوية واستراتيجية، تتيح للشعوب أن تتحول من متفرج إلى صانع قرار، ومن متأثر إلى مؤثر، قادر على إعادة صياغة المسارات السياسية والاجتماعية والأخلاقية.

باختصار، غزة اليوم ليست مجرد رمز للصمود، بل مختبر للإرادة الشعبية والتغيير الحضاري، وهي تضع الأمة أمام حقيقة لا تقبل التأجيل: الكرامة والمصير والحرية مسؤولية جماعية، والإرادة الشعبية هي المحرك الأول والأساسي لأي تغيير حقيقي.

أزمة القرار الرسمي: تردد القمم وغياب الحسم

صمت مؤتمر القمة ليس مجرد غياب لموقف جماعي مناسب، بل هو انعكاس صارخ لأزمة عميقة في قدرة الأمة على اتخاذ قرارات سياسية حاسمة. هذا التردد ليس صدفة، وغياب القرار من قادة الأمة ليس بلا معنى، بل هو نتاج اختراق صهيوني استراتيجي يهدد الأمن القومي الجماعي، وحصيلة سلسلة من الصراعات الداخلية بين الدول، وطغيان مصالح اقتصادية وسياسية ضيقة، وأحيانًا تواطؤ مع المحتل الغاشم. النتيجة الملموسة: فوات الفرص، تفاقم الأزمات، وفقدان المبادرة الاستراتيجية التي تحتاجها الأمة اليوم أكثر من أي وقت مضى.

العدوان المتكرر على غزة والضفة الغربية، وعواصم عربية أخرى، واللائحة ما زالت مفتوحة، يكشف من جهة أن العصابة الصهيونية أصابها الجنون ولم تعد تعرف حدودًا لطغيانها، ولا تدرك خطورة تهورها. ومن جهة أخرى، يثبت أن عدم الحسم الرسمي يرفع تكلفة الصمت إلى مستويات مدمرة، ويمنح مجرمي الحرب الضوء الأخضر لمواصلة مشروعهم لتأسيس “إسرائيل الكبرى” على حساب حقوق الأمة وأراضيها ومقدساتها.

إن عجز القادة العرب والمسلمين في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ الأمة عن اتخاذ موقف حازم ضد العربدة السياسية للعصابات اليمينية المتحكمة في القرار داخل دولة الاحتلال، لا يمثل مجرد إخفاق سياسي، بل تهديدًا مباشرًا لوجود الأمة وشعوبها، ويساعد على تقويض الاستقرار ليس في المنطقة العربية فحسب، بل في العالم كله، وقد يؤدي إلى كارثة كبرى إذا لم يُستبدل الصمت بالقرار والعمل الجريء.

سلوك إسرائيل المتهور اليوم لا يهدد الأمة فحسب، بل يمثل عامل انهيار محتمل للنظام الدولي، وقد يجر العالم إلى الخراب والفناء إذا لم تُردع هذه السلطة العبثية بحزم شعبي وسياسي موحد.

عزيمة الشعب الفلسطيني نموذجًا للقرار الشعبي

بينما تتردد القمم وتتلكأ البيانات الرسمية، تتقدم غزة لتكشف المعادلة الكبرى: الإرادة الشعبية أقوى من كل توازنات القمم وأسرع في إنتاج الأثر من أي قرار رسمي. هنا لا مجال للانتظار ولا للبحث عن الإجماع السياسي؛ بل حسم مصيري بسيط وعميق: إما العيش بكرامة أو الاستشهاد. إنها معادلة جذرية تجعل من العزيمة الشعبية قوة لا تقهر، حتى في أحلك الظروف وأكثرها قسوة.

هذا النموذج الغزّي يعلّم الأمة درسًا استراتيجيًا بليغًا: المبادرة لا تبدأ من القمة، بل من الشعب. فحين تتعطل مؤسسات القرار الرسمي، يثبت أن الشعوب المتمسكة بقيمها، الواثقة بمصيرها، القادرة على الصمود والمواجهة، والمستعدة للتضحية، هي من ترسم الاتجاه وتفتح أفق المستقبل.

غزة لم تعد مجرد جغرافيا محاصرة؛ إنها اليوم رمز حي للصمود والإرادة الشعبية. القرار الجريء لا يحتاج إلى مؤتمرات ولا إلى بيانات رسمية؛ بل ينبع من إرادة راسخة لا تقبل المساومة: إما العيش بعزة، أو الموت دفاعًا عن الأرض والحق. لكن عمق المفارقة أن غزة لا تدافع عن نفسها وحدها؛ بل تنوب عن الأمة بأسرها في معركة المصير. إنها الحارس الأول للمقدسات، لا في القدس والأقصى وحدهما، بل في كل شبر من الأرض التي تهددها مشاريع الاستعمار والهيمنة.

التضحيات التي يقدمها الغزيون – من أرواح تُزهق، وبيوت تُهدم، وأرض تُجرف، وممتلكات تُدمر – لم تعد مجرد ثمن مؤلم، بل سلاح استراتيجي لكسر شوكة المحتلين وداعميهم. إنها تعبير عن أن المعاناة يمكن أن تتحول إلى طاقة للمقاومة، وأن الفقد يتحول إلى معنى يولّد قوة أكبر. بهذا التحول، نجحت غزة في أن تحشد خلفها كل القوى الحية وأحرار العالم، لتصبح قضيتها محورًا ضميريًا عالميًا، يعيد للإنسانية توازنها الأخلاقي في مواجهة الطغيان.

لقد تجاوزت غزة حدودها الجغرافية لتصبح قضية عالمية، تتصدر الاهتمام الدولي وتعيد صياغة النقاش حول مفاهيم الصمود، المقاومة، والعدالة. لم تعد مجرد جزء من جغرافيا صغيرة محاصرة؛ بل مختبرًا للإرادة الشعبية، ومدرسة للتغيير الاستراتيجي، تبرهن أن قوة الشعب، حين تتجذر في قيم الحرية والكرامة، لا تقل شأنًا عن قوة المؤسسات الرسمية، بل تتفوق عليها حين تصاب بالعجز أو التواطؤ.

المغزى الأعمق إذن أن غزة ليست مجرد معركة حدود، بل مفتاح لإعادة تعريف مفهوم السلطة والقرار في العالم العربي والإسلامي:

  • فالقرار لم يعد محصورًا في قمم مغلقة وبيانات مترددة، بل انتقل إلى الشارع، إلى الميدان، إلى الإرادة الجمعية التي تصوغ المصير.
  • وغزة اليوم تقول للأمة إن الشرعية الحقيقية لا تمنحها الكراسي ولا المؤتمرات، بل تصنعها التضحيات، وتبنيها الشعوب بدمائها وصمودها.
  • وبذلك، تتحول غزة إلى حقل تجارب حضاري يفرض إعادة التفكير في علاقة الشعوب بالأنظمة، وفي كيفية تحويل العزيمة الشعبية إلى مشروع حضاري طويل المدى.

إنها ليست مجرد مواجهة مع احتلال غاشم؛ إنها ولادة من رحم الألم لمعنى جديد للكرامة والتحرر. ومن هذا المنظور، يمكن القول إن غزة هي البوصلة، والاختبار، والدرس؛ إنها الحقيقة التي تُعيد للأمة ثقتها بأن الشعب حين يقرر، ينتصر، وحين ينهض، يحرّك العالم بأسره.

التفكير خارج الصندوق: من القواعد إلى القمة

حين يتعثر حسم القرار الرسمي وتثبت القمم عجزها عن إحداث تغيير حاسم، لم يعد من المجدي الرهان على القنوات التقليدية وحدها. فقد أكدت غزة بدمها وصمودها أن المبادرة الحقيقية لا تبدأ من المكاتب المغلقة، بل من القاعدة الشعبية التي تعرف معنى التضحية وتدرك قيمة الكرامة. لذلك يصبح الانتقال من انتظار التصريحات إلى بناء قوة شعبية استراتيجية ضرورة وجودية، لا مجرد خيار سياسي. قوة قادرة على نحت واقع جديد وفرضه على القمم والقوى الدولية، واقع يستمد شرعيته من الشعب ذاته، من حقه الطبيعي في الدفاع عن مصيره ومقدساته، ومن حتمية أن تكون الكرامة خيارًا لا يقبل المساومة.من هنا تبرز ضرورة اتخاذ المبادرة.

محاور مبادرة الحسم الشعبي الاستراتيجي:

  1. التنسيق الشعبي الإقليمي — شبكة ضاغطة واحدة
    تأسيس تحالفات شعبية عبر الحدود: شبكات مجتمعية، اتحادات مدنية، و«منصات رابطة» رقمية تجمع المبادرات المحلية والإقليمية والدولية. آلية عمل واضحة: تنسيق خطوات احتجاجية، حملات ضغط موحدة، تبادل موارد ومعلومات، واستراتيجية واحدة لرفع الصوت أمام مراكز القرار.
  2. استثمار الإعلام والرأي العام — حرب سردية ذكية
    تحرير السرد من احتكار روايات العدو: إنتاجات إعلامية استراتيجية (فيديوهات قصيرة، تقارير موثقة، شهادات مصورة، خرائط تفاعلية)، حملات تصعيد رقمي مركّزة، وتعزيز قنوات بديلة قادرة على الوصول إلى جماعات الرأي وصنّاع القرار في الغرب والعالم. الرأي العام المنظم يُمكن أن يتحول إلى أداة ضغط موازية وقاتلة.
  3. المقاطعة الذكية — ضرب العمق الاقتصادي
    تطبيق مقاطعة منسقة وذكية تستهدف شبكات الدعم الاقتصادية والسياسية: قوائم منتجات وخدمات، قواعد زمنية للاستجابة، معايير تضامن استهلاكي، وحملات توعوية محفزة لسلوك مستهلكي بديل. تحويل سلة استهلاك الشعوب إلى آلية تأثير استراتيجية يضعف قدرة العدو وداعميه تدريجيًا.
  4. كسر الحصار بآليات مبتكرة — لوجستيات التضامن
    إطلاق مبادرات مدنية لكسر الحصار: سلاسل دعم لوجستي رقمية، منصات تبرع شفافة، شبكات نقل إنساني مبتكرة، وتنسيق مع منظمات دولية مستقلة لتأمين الإمدادات الضرورية والإعلام. تكامل التكنيك واللوجستيك مع العمل الشعبي يتيح استدامة الضغط والإغاثة.
  5. دبلوماسية شعبية ذكية — الضغط من الأسفل إلى الأعلى
    تحويل الحراك الشعبي إلى قوة دبلوماسية مضادة: وفود مدنية إلى برلمانات دولية، حملات توقيع قانونية، قنوات ضغط على ممثلي الشتات، ربط الحملات بالمنظمات الحقوقية والقانونيين لإطلاق قضايا أمام محاكم دولية أو لجان تحقيق. دبلوماسية لا تعتمد على مكاتب؛ بل على صدقية الشعب وشرعيته.
  6. مطاردة مجرمي الحرب شعبياً وقانونياً — تضييق الخناق على كل مشارك ومموّل ومتواطئ
    تتحول المطالبة بالمساءلة إلى عنصر أساسي في استراتيجية الحسم: ليس انتقاصاً من قيم العدالة، بل وسيلة لقطع أوصال الدعم عن آلة القمع وردع من يظن أن الإفلات من العقاب متاح. هذا البند يقترح مزيجاً من أدوات الضغط الشعبي والقانوني التي تعمل معاً لشنّ مطاردة متكاملة للمسؤولين عن الحرب ورافعي راية الاستحواذ:

أ. توثيق ممنهج وشفاف

  • إنشاء وحدات توثيق شعبية احترافية (تعاون بين ناشطين، صحفيين مستقليــن، محامين، ومنظمات حقوقية) لجمع الأدلة (شهادات، صور، فيديوهات، سجلات مالية) وفق معايير قابلة للاعتماد القضائي.
  • بناء أرشيف رقمي مؤمّن قابل للتدقيق والمحافظة على سريته لحماية الشهود.

ب. تحريك المسارات القانونية الدولية والوطنية

  • دفع الملفات إلى المؤسسات الدولية المختصة (الجنائية الدولية، لجان تحقيق دولية) وتفعيل مبدأ الاختصاص العالمي والالتماسات القضائية في دول تتوفر فيها صلاحيات ملاحقة مجرمي الحرب.
  • دعم قضايا مدنية وجماعية ضد مؤسسات أو أفراد متورطين، وطلب تجميد أصولهم وفرض حظر سفر.

ج. قوائم ومقاطعة مستهدفة

  • إعداد قوائم علنية بمجرمي الحرب والممولين والمتعاونين (مع الالتزام بالتحقق والدقة لتفادي الافتراء) واستخدامها في حملات مقاطعة اقتصادية واجتماعية وإعلامية.
  • التنسيق مع صناديق استثمار، جامعات، مؤسسات ثقافية وريادية لتجميد علاقاتها أو فرض شروط أخلاقية على التعامل مع جهات متورطة.

د. حملات ضغط دبلوماسي وشعبي

  • تنظيم حملات توقيع ومخاطبة برلمانات وحكومات لفرض عقوبات مستهدفة (حظر سفر، تجميد أصول، حظر تعاملات تجارية).
  • توظيف الإعلام والفضاء الرقمي لكشف الشبكات الداعمة وتحويل الرأي العام الدولي إلى قوة ضاغطة.

هـ. تعزيز حماية المبلغين والشهود

  • تأسيس آليات حماية نفسية وقانونية للشهود والمبلغين، وبرامج لإيواء وحماية الصحفيين والنشطاء المستهدفين.
  • تدريب الفاعلين على الأمن الرقمي ومنهجيات جمع الأدلة بشكل يحفظ سلامتهم.

و. آليات رقابية ومساءلة داخلية

  • إطلاق حملات للرصد والمحاسبة داخل مؤسسات الدولة والدول الداعمة، وكشف حالات التواطؤ أو الفساد التي تتيح استمرار العدوان.

ز. ضوابط واضحة وأخلاقية

  • التأكيد على الالتزام بمبادئ حقوق الإنسان والقانون: محاسبة قائمة على أدلة وعمليات قانونية، منع الدعوة للانتقام أو العنف، وتجنّب التشهير غير الموثق.
  • إنشاء لجنة مراجعة مستقلة للتحقق من القوائم والأدلة قبل أي نشر أو إجراء عقابي شعبي.

هذه الاستراتيجية المزدوجة — الشعبية والقانونية — تحول المطاردة من فعل انفعالي إلى منظومة مستدامة تضع المساءلة في قلب المواجهة، تضيق الخناق على الجناة وتقطع الممرات التي تتيح لهم الإفلات. هل تريد أن أضع خريطة تنفيذية مبسطة لهذا البند (خطوات زمنية، جهات فاعلة مقترحة، أدوات رقمية قانونية للوثائق) ليصبح جاهزًا للتطبيق؟

ربط هذه المحاور بخارطة زمنية ومؤشرات أداء: ما يُقاس يُنجز. الشرعية الشعبية + التخطيط الذكي + التنفيذ المتناسق = قدرة على تغيير قواعد اللعبة. الهدف ليس إقصاء القمم بل إجبارها على اللحاق بإرادة شعوبها وتحويل الصمت إلى قرار.

في المجمل، التفكير خارج الصندوق هنا ليس مجرّد شعار؛ إنه رهين أفعال يومية: تنظيم، إعلام، اقتصاد مقاوم، لوجستيات تضامن، ودبلوماسية مدنية. حين تتضافر هذه الأدوات، لن تبقى القرارات الحاسمة حكراً على القمة. الشعب الساعي إلى الكرامة يصبح في حد ذاته قمة متحركة تفرض واقعًا جديدًا.

الرسالة الاستراتيجية: قوة الشعب طريق النصر

إن الآليات المطروحة تكشف حقيقة محورية: خُذلان القادة ليس قدرًا محتومًا، ولا عجز المؤسسات الرسمية يعني أن الأمة بلا أدوات. الشعوب، حين تمتلك الوعي والإرادة، تتحول من مجرد جماهير صامتة إلى قوة استراتيجية فاعلة، قادرة على إعادة رسم موازين القوة وتوجيه دفة القرار.

إن قوة الشعب ليست قوة ضغط فقط، بل هي مختبر للإبداع السياسي والمقاومة الذكية، ومصدر القرار الجريء الذي يستطيع تحويل العجز الرسمي إلى مبادرة، والصمت إلى سلاح، والتردد إلى موقف يليق بكرامة الأمة. هذا التحول لا يحدث تلقائيًا، بل يتطلب إدارة واعية، تنسيقًا عابرًا للحدود، وتسخيرًا لكل طاقات الأمة المادية والمعنوية.

ومن هذا المنظور، يصبح الشعب هو المخزون الاستراتيجي للأمة، ومصدر الشرعية الحقيقي لأي قرار، وميزان التصحيح الذي يعيد القادة إلى جادة الصواب، ويدفعهم للدفاع عن القيم والمقدسات.

نحو مشروع استراتيجي جامع

لتحويل هذه الرسالة إلى مشروع عملي، يمكن صياغة ثلاث دوائر مترابطة:

  1. الدائرة الشعبية الداخلية:
    1. تنظيم المبادرات المدنية والمقاطعات الاقتصادية.
    1. تحريك الإعلام المحلي والرقمي لتثبيت سردية المقاومة.
    1. استنهاض طاقات الشباب باعتبارهم رأس الحربة في التغيير.
  2. الدائرة الإقليمية العابرة للحدود:
    1. توحيد الجهود الشعبية العربية والإسلامية في تحالفات مدنية.
    1. بناء جبهة وعي مشترك تربط بين المصير الفلسطيني ومصائر الأمة كلها.
    1. استثمار الروابط الثقافية والروحية بين الشعوب لتعزيز صمود غزة.
  3. الدائرة العالمية:
    1. تفعيل الضمير الإنساني عبر مؤسسات المجتمع المدني، والبرلمانات الشعبية، والمحاكم الدولية.
    1. تحويل القضية الفلسطينية من ملف إقليمي إلى قضية إنسانية كونية تستقطب أحرار العالم.
    1. كسر هيمنة اللوبيات الصهيونية على الرأي العام الغربي بتفكيك خطابها وكشف تناقضاتها.

الخاتمة: الكرامة خيار والمبادرة مسؤولية

لقد عجزت القمم عن اتخاذ الموقف الحاسم، لكن الشعوب قد تثبت — كما في غزة — أن الإرادة لا تنتظر موافقات رسمية، وأن الكرامة لا تُستجدى من قرارات مؤتمرات.

اليوم، المطلوب هو أن يتعلم القرار السياسي من عزيمة الشعب، لا أن يظل سجينًا لحسابات المصالح الضيقة. فالمعادلة واضحة:

  • المبادرة مسؤولية،
  • والكرامة خيار لا يقبل التراجع.

وإذا نجحت الأمة في ربط عزيمة شعوبها بحسم قادتها، فستتمكن من:

  • اتخاذ قرارات جريئة وفاعلة.
  • تحويل الصمت الرسمي إلى قوة استراتيجية.
  • قلب التردد إلى مواقف مشرفة تليق بتاريخها وهويتها ورسالتها.

إنها ليست فقط دعوة للصحوة، بل مشروع تحرير الإرادة الجماعية، حيث يتحول الشعب إلى مصدر النصر، وإلى صانع التاريخ الجديد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى