الحرب قد تدمر الفن.. لكنها لا تكسر روح الفنان

محمد رضوان..

بِيدين مُرتجفتين، اضطر طه أبو غالي، الرسام الفلسطيني، لكسر نحو 30 إطار لوحة فنية رسمها في العشرين سنة الماضية لاستخدامها وقودا لطهي طعامٍ لأطفاله المُجوَّعين بغزة.

الإبادة الإسرائيلية في غزة لا تستهدف الإنسان ومصادر الحياة كالطاقة والمياه والصحة، وإنما حتى الثقافة والفنون والآثار التي تشهد على وجود هذا الإنسان وتاريخه وهويته..

كان هيرمان هِسّه، الكاتب السويسري من أصل ألماني الذي حصل على جائزة نوبل في الآداب عام 1946، من أوائل من كتبوا عن مأساة الفن في زمن الحرب. في بداية الحرب العالمية الأولى، كتب هِسّه أن الحرب تُدمِّر أسس التراث الثقافي الثمين في أوروبا، وبالتالي مستقبل الحضارة نفسها.

بالنسبة لهسة، المسيحي البروتستانتي الذي تم حظر كتبه بألمانيا في 1943، فإنه إذا كانت الحروب تدمر الفن، فإنها لا تكسر روح الفنان.

في رسالة اعتذاره لعدم حضوره شخصيا لتسلم جائزة نوبل إشارة قوية لما يمكن أن تفعل الحرب بالكاتب والفنان، جاء فيها؛ ” صعوبات فترة النازية الوطنية، التي دُمِّرت خلالها مُنجزات حياتي في ألمانيا، وأُثْقِلْتُ، يومًا بعد يوم، بواجبات شاقة أدت إلى تدهور صحتي إلى الأبد. ومع ذلك، فإن روحي لم تنكسر…”.

أما في حرب الإبادة بغزة، فبعدما نفدت بعض المتلاشيات من كرتون وأخشاب وأثاث منزلي وملابس أحيانا كحطب للطهي والتدفئة، اضطر بعض أصدقاء طه أبو غالي وزملاؤه لحرق إطارات لوحاتهم واستخدام الكتب وأوراق أبحاثهم العلمية كبدائل للوقود.

لا يمكن أن يتخيل أحد مدى قساوة هذا الموقف بالنسبة لفنان لا يجد معنى للفن وسط الجثث والموت والدمار وأجساد أطفاله المُجوّعين..

أبو غالي فنان ذو تكوين أكاديمي، حاصل على الماجستير في الصحة النفسية، وعمل قبل حرب الإبادة مدرسا لمادة الفنون والحِرف والخط العربي في مدرسة النصر الخاصة بمدينة غزة..

حينما يعمد إلى حرق إطارات لوحاته، لا يستطيع أن يتخلص من الإحساس بأن ما يقوم به هو إعدام لجزء من روحه وحياته..

عندما يفعل ذلك، وكأني به يقول كما قال فاوست غوته “أنا هو الشرّ الذي لا يفعل إلا الخير”؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى