رهيبتان.. المجاعة والتجويع

طعامٌ ودواءٌ متراكم على بعد أمتار من الأجساد النحيفة

محمد رضوان..

كلمتان رهيبتان، واحدة منهما فقط كفيلة بتدمير حياة شعب أو جماعة.

في تجربته التاريخية الممتدة، كابد الإنسانُ المجاعة كآفة من آفات الحياة على الأرض عندما يقل الزرع والضرع وينقطع المطر؛ ملايين الناس أودت بحياتهم المجاعة في فترات القحط مثلما حدث في الصين (1958-1961)، والبنغال (1943)، والمجاعات السوفيتية في عشرينيات وثلاثينيات القرن العشرين، وفيتنام (1945)، وبيافرا (1960) وكمبوديا (1970)، وإثيوبيا (1983-1985).

ظل العالم يعتبر هذه المجاعات من قساوة الطبيعة، إلا أن روح التضامن الإنساني دفعت إلى إنقاذ ما يمكن إنقاذه من أرواح الجوعى، ووضع آليات ومؤسسات للتدخل في مثل هذه الطوارئ.

لكن التجويع واقع مُريع ليس من حوادث الطبيعة، وإنما من صنع الإنسان ضد أبناء جنسه.

في حروب عديدة استخدم التجويع كسلاح لإبادة الخصم رغم أن الفطرة السليمة والشرائع السماوية الصحيحة كانت تحرم ذلك. ولعل اشد سلاح التجويع فتكا لا زالت الحوليات التاريخية وسجلات الأرشيف تحتفظ بذكرياته، ما عمد إليه النظام النازي في إبادة المدنيين في كل من بولندا والاتحاد السوفياتي؛ فقد طور وزير الطعام في حكومة الرايخ خطة للتجويع قبل غزو ألمانيا للاتحاد السوفيتي عام 1941م.

نحو مليون مدني ماتوا من الجوع ضمن الخطط النازية للتخلص من اليهود والسكان المدنيين في الأراضي المحتلة من طرف النازيين، الذين واجههم العالم بعقوبات شديدة على ذلك بعد انتهاء الحرب.

ما يحدث في غزة اليوم من استخدام التجويع كسلاح ضد المدنيين قد يكون أشد قسوة وفظاعة مما كان في أربعينيات القرن الماضي لسبب أن العالم آنذاك كان عاجزا على التدخل لإنقاذ المُجوَّعين ولا سيما اليهود من طرف النازيين نظرا للفوضى وظروف الحرب التي دمرت الشعوب والدول والمؤسسات وخاصة بأروبا.

أما اليوم، فالعالم، الذي يرفل معظمه في الثراء، يتفرج في الأجساد الذابلة، وجثت الرضع والأطفال واليافعين الذين قضوا بسبب التجويع ممن ذاق أسلافهم مرارته على يد النازيين.

طعامٌ ودواءٌ متراكم على بعد أمتار من تلك الأجساد النحيفة، بل إن العالم يشكو تخمة البطون وهدر الطعام، بينما يُقصف أطفال غزة وهم يبحثون عن بعض الفُتات وسط الدمار وركام الأحجار لسد الرمق ما قبل الأخير.

المجرم الذي يستعمل سلاح التجويع ليس مسؤولا وحده عن هذه الإبادة، والمتفرِّجُ والمُتخمُ الذي يتفرج على الجثث والأجساد صرعى التجويع لا يعدم نصيبه من هذه المسؤولية، لكن أكبر حظ من هذه المسؤولية يتحملها من قال في مثلهم طرفة بن العبد؛

وَظلمُ ذَوي القُربى أَشَدُّ مَضاضَةً      عَلى المَرءِ مِن وَقعِ الحُسامِ المُهَنَّدِ

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى