النداء الأخير… بيان إلى الأمة العربية والإسلامية وأحرار العالم: بين شرف النصرة وخزي الصمت في زمن احتراق فلسطين وإبادة غزة

بقلم: د. محمد السنوسي..

فلسطين تحترق اليوم بنيران لا تترك مكانًا إلا وقد لامسته، وغزة تُباد بصمت قاتل تحت وطأة الحصار والقصف والتجويع الذي لا هوادة فيه. هذه المدينة المحاصرة ليست فقط ساحة صراع عسكري، بل رمز لمأساة أمة كاملة تئن تحت وطأة الانقسام، التخاذل، والغياب السياسي. في قلب العالم العربي والإسلامي، تتجلى مأساة غزة كجرح ينزف يعكس واقع الأمة بكاملها، حيث البيوت تُدمر والأرواح تُزهق بلا رحمة أو توقف.

في هذا المشهد الكارثي، نوجه رسالة عاجلة لأنظمة وشعوب ونخب العرب والمسلمين: أين أنتم من هذه الجريمة التي تُرتكب في صمت؟ كيف يمكن السكوت بينما تحترق فلسطين ويُباد أهل غزة، وهم بحاجة إلى ضمائركم الحية التي تقف إلى جانب الحق والإنسانية قبل أن تكون قضية وطنية أو دينية؟

صرخة في وجه الزمن: مسؤولية الأمة التي لا تُغتفر

ها هي الأمة العربية والإسلامية تقف على حافة الهاوية، تمر بلحظة مفصلية من تاريخها، اختبار قاسٍ لا يرحم ولا يحتمل ترددًا أو تسويفًا. غزة، تلك المدينة المحاصرة، لم تعد فقط جرحًا فلسطينيًا أو نزاعًا سياسيًا عابرًا، بل صارت مرآة تكشف عن حقيقة الأمة: إرادتها، ضميرها، وشرفها.

كيف يمكن لأنظمة ونخب وشعوب هذه الأمة أن تصمت؟ أن تغمض أعينها بينما تختنق غزة تحت وطأة القصف والدمار؟ كيف تظل الألسنة صامتة والقلوب جامدة، في حين تزهق الأرواح وتُهدم البيوت، ويُسفك الدم في أرضٍ مقدسة؟

يقول الله عز وجل في محكم تنزيله:
وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا ۚ وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا (سورة آل عمران: 103).

وإذ يوجه الله تحذيره فيقول:
وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ ۚ وَأُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ.

في قلب هذا المشهد المأساوي، تتجلى الآيتان كصرخة مدوية في وجه من يختارون التفرقة والخيانة بدل الوحدة والشجاعة. الوحدة، التي أنقذت أمتنا من مستنقع الحروب والدمار، والشتات الذي كدنا نغرق فيه، هي السبيل الوحيد للنهوض، أما التفرق والانقسام فهو مسار يقودنا لا محالة إلى الهاوية.

وها غزة اليوم، تصرخ بأرواح أبنائها، بجدرانها المهدمة، بدموع أمهاتها، تدق ناقوس الخطر لكل من له قلب ينبض، لكل من يؤمن بالحق والعدل. فهل من يسمع؟ هل من يرفع راية الوحدة ويقول كفى؟

الكلام لا ينفع بعد اليوم، فكل تأخير في الحسم يعني المزيد من الدماء التي لن تتوقف عند حدود غزة، بل ستمتد لتهدد أركان الأمة كلها. صمتكم اليوم ليس بريئًا، إنه توقيع على خيانة تنسج خيوطها في الخفاء، تحالفٌ مع قاتل سيستمر في غزوه حتى ينهي وجودنا.

إلى كل من يعتقد أن بإمكانه المراوغة، نقول: لقد نفد وقت التلاعب والمماطلة، والحق سينتصر رغم كل المؤامرات. الأمة تراقبكم، الله يراقبكم، والتاريخ سيحكم عليكم. فاتقوا الله في دماء إخوانكم، في دماء أمتكم، قبل أن يكون الندم لا ينفع.

القرار اليوم بين يديكم: إما أن تكونوا مع الحق، رافعين صوت التضامن والوفاء، أو أن تتحملوا تبعات الخيانة التي ستمزق أوصال الأمة وتدمر مستقبلها.

أنظمة العرب ودول الطوق: كفى ادعاء حياد وخيانة الرسالة

لقد آن الأوان لأن تتجرّد الأنظمة العربية والإسلامية، ولا سيما دول الطوق المحيطة بفلسطين، من أقنعة “الحياد” الزائف وذرائع “المصلحة الوطنية” الضيقة، التي لم تعد سوى غطاء لتبرير العجز أو التواطؤ مع العدوان. إن فلسطين، وفي قلبها القدس الشريف، ليست ملفاً دبلوماسياً يُدار خلف الأبواب المغلقة أو ورقة تفاوضية قابلة للمساومة، بل هي البوصلة الأخلاقية والسياسية التي تحدد موقع الأمة في التاريخ. إن ما يتعرض له المسجد الأقصى وبيت المقدس من تهويد وانتهاكات يومية ليس شأناً محلياً لفلسطينيين وحدهم، بل هو جرح مفتوح في جسد الأمة كلّها، ومسؤولية شرعية وسياسية وأخلاقية على عاتق الجميع. فأين أنتم، حكاماً وشعوباً ومؤسسات، من واجب الدفاع عن أولى القبلتين وثالث الحرمين ومسرى النبي ﷺ؟ وأي عذر يبقى للتقاعس، وقد تجاوز العدوان حدود الأرض إلى محاولة محو الهوية والذاكرة والحق التاريخي؟

دول الطوق، التي يفترض بها أن تكون الدرع الحصين والقلعة التي تحمي الأمة، تحولت في واقع الحال إلى جدران صامتة تتابع مأساة غزة عبر شاشات فارغة من الروح، وكأنها لا تمت لها بصلة. هذا الصمت، أو التنسيق السري مع العدو، ليس أقل من خيانة كبرى تقوض الكرامة الوطنية وتحطم أمل الشعوب، ليس فقط الفلسطينيين، بل لكل الأمة التي تتطلع إلى عزتها وكرامتها.

لقد سبق أن ذكرنا في هذا المقال أهمية الوحدة والاعتصام بحبل الله، واستعرضنا كيف أن التفرق والاختلاف بعد أن جاء الحق والبينات لا يؤدي إلا إلى الهزيمة والمهانة. فالآية القرآنية التي تقول:
وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتِ ۚ وَأُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (آل عمران: 105)
تأتي لتؤكد أن التاريخ لا يكذب، وأن كل هجوم على الأمة يستغل بالأساس نقاط ضعفها الداخلية وتشرذمها، وأن التخاذل عن نصرة المظلومين يمهد لسلسلة من الهزائم المتتابعة التي تقوض صمود الأمة ومستقبلها.

في ظل ما نراه اليوم من صمت وتخاذل، وامتناع عن الوقوف مع غزة وشعب فلسطين، فإن هذه الآية ليست مجرد تحذير إلهي بل هي مرآة صادقة تعكس واقعنا المرير، وتدفعنا للوقوف بوجه هذه المأساة بوحدة حقيقية، وعمل جاد لا تحتمل الأمة بدونه المزيد من الانكسار والتفكك.

إن مصير الأمة مرهون بمدى استجابتها لهذه الدعوة الإلهية، وبمدى قدرتها على تجاوز خلافاتها الداخلية، والانتصار لإرادة الحق والعدالة، قبل أن تتحول المآسي إلى كارثة لا يمكن تفاديها.

أمن الأمة القومي ليس لعبة تُلعب خلف الكواليس أو معاهدات تُبرم بعيدًا عن الشعوب، بل هو بناء استراتيجي لا يقبل التجزئة. لا يمكن لأي دولة عربية أن تحقق أمنها الوطني الحقيقي بمعزل عن أمن قومي عربي شامل، فهذا أمن يرتكز على وحدة المواقف وتكامل الأدوار. إنه جدل استراتيجي لا مفر منه: لا أمن قومي للدولة الوطنية إلا عبر حماية وتعزيز الأمن القومي العربي المشترك.

اليوم، يُبنى هذا الأمن في شوارع غزة وأرض فلسطين التي تروى بدماء الشهداء. وكل لحظة تأخير في التحرك السياسي والعسكري لا تزيد إلا من اشتعال النيران، التي ستنتقل لا محالة من بيت غزة إلى بيوتكم. فإما أن تكونوا جزءًا من الحل والوقوف إلى جانب الحق، أو تكونوا شركاء في الخيانة والدمار.

إنها لحظة الحقيقة: الكف عن التذرع بالحياد والعمل الجاد من أجل استعادة الكرامة وحماية الأمة، لأن مستقبل العرب والمسلمين لا يُكتب إلا بوحدة حقيقية وعمل استراتيجي حازم.

دروس من التاريخ: الحروب الصليبية وسقوط الأندلس – قراءة استشرافية للحالة الراهنة

لا يمكن فصل حاضرنا عن دروس الماضي، فالتاريخ يحمل بين دفتيه مواعظ وعبرًا عميقة تشكل أساسًا لفهم أزمتنا الراهنة وبناء استراتيجيات للمستقبل. إن الحروب الصليبية التي اندلعت قبل أكثر من ثمانية قرون، لم تكن مجرد معارك بالسلاح، بل كانت سلسلة من الغزوات الاستراتيجية التي استغل فيها الغزاة الانقسامات الداخلية والأزمات السياسية والاجتماعية التي كانت تعصف بالأمة الإسلامية آنذاك. استغل الأعداء ضعف الوحدة والتمزقات التي كانت موجودة بين الحكام والأطراف المختلفة، ونجحوا في تفكيك النسيج الاجتماعي والسياسي للأمة.

كان من أخطر عوامل سقوط المدن والحصون في تلك الحقبة هو تعاون بعض الحكام والطبقات الداخلية مع الغزاة، وهو ما شكل خيانة مميتة أدت إلى خسارة الأرض والكرامة معًا. هذه الخيانة الداخلية، سواء كانت بدافع مصلحة شخصية أو ضعف في الرؤية، كانت عاملًا حاسمًا في هزيمة الأمة وذهاب ألقها.

في المقابل، يمثل الانتصار في معركة حطين نموذجًا مشرقًا في التاريخ، إذ تحقق النصر العظيم نتيجة لوحدة الصف وجمع الكلمة، وقيادة سياسية وعسكرية رشيدة. هذا الانتصار ليس مجرد حدث تاريخي، بل درسٌ مستمر يجب أن نستذكره اليوم، فالأمة التي لا توحد صفوفها لا يمكن أن تواجه أعداءها بقوة، وتصبح فريسة سهلة للغزاة والاحتلال.

كما أن سقوط الأندلس يمثل فصلًا مأساويًا آخر في تاريخ الأمة الإسلامية، حيث لم يكن السبب في الانهيار فقط الهجوم الخارجي، بل كان في الأساس نتيجة للصراعات الداخلية، الحروب الطائفية، والصراعات الفئوية التي مزقت وحدة الأمة، وأدت إلى تفكيك قوتها من الداخل. هذا الانهيار الحضاري كان نتيجة طبيعية للتشرذم والخيانة، إذ لم تدم الحضارة التي لا تستند إلى وحدة راسخة وقيم مشتركة.

المبادئ الاستراتيجية المستنبطة من دروس التاريخ لتأسيس قراءة استشرافية للوضع الحالي

في خضم التحديات الجسيمة التي تواجه الأمة اليوم، يصبح من الضروري التوقف عند دروس التاريخ التي تحمل في طياتها حكماً وأسساً صلبة لبناء مستقبل أفضل. فالتاريخ لا يعيد نفسه إلا إذا أغفلنا تعلّم دروسه، وهذه الدروس تمنحنا خارطة طريق واضحة لقراءة الواقع الراهن واستشراف المستقبل بخطى ثابتة. من خلال استحضار معارك الأمس وتجارب الأمة، يمكننا استخلاص مبادئ استراتيجية جوهرية تساهم في تعزيز صمود الأمة وتصويب مساراتها.

إليكم باختصار، أهم هذه المبادئ التي تنبثق من تجارب الماضي لتؤسس لقراءة استشرافية للوضع الحالي:

  1. أهمية الوحدة الوطنية والوحدة الصفية:
    لا نصر ولا صمود يتحقق إلا بوحدة الصفوف وتوحيد الكلمة. التفرق الداخلي يفتح أبواب الخيانة والتفكك، ويُضعف الأمة أمام خصومها.
  2. اليقظة ضد الخيانات الداخلية:
    تعزيز الوعي السياسي والاجتماعي أمر حيوي لمنع أي شكل من أشكال التعاون أو الخضوع للأعداء. فالتواطؤ الداخلي مع الخصوم هو خيانة تستنزف قوتنا وتسرّع من سقوطنا.
  3. القيادة الواعية والرؤية الاستراتيجية:
    الانتصارات الحاسمة تحتاج إلى قيادة تجمع بين الحكمة السياسية والقدرة العسكرية والتنظيمية، كما برهن عليه صلاح الدين في معركة حطين.
  4. رفض الانقسامات الطائفية والاثنية والفئوية:
    الصراعات الداخلية بين الطوائف والفئات لا تؤدي إلا إلى تفكيك الأمة وتسريع انهيارها. لذلك، يجب بناء خطاب جامع يضم الجميع في منظومة وطنية واحدة متماسكة.
  5. الاستفادة من التجارب التاريخية في التخطيط للمستقبل:
    التعلم من أخطاء الماضي يمكننا من وضع استراتيجيات دقيقة تحمي الأمة من الوقوع في نفس الفخاخ السابقة.
  6. ترسيخ قيم الكرامة والحرية كمبادئ أساسية:
    فقدان الكرامة هو بداية التفكك، والحرية هدف سامٍ يجب السعي إليه عبر الوحدة والمقاومة المتجددة.
  7. المقاومة الشاملة والمتكاملة:
    المواجهة ليست فقط على الصعيد العسكري، بل تمتد إلى الأبعاد السياسية والاجتماعية والثقافية، حتى تكون الأمة قادرة على الصمود في جميع الجبهات.

هذه المبادئ ليست مجرد توصيات نظرية، بل هي دروس حية يجب أن تتفاعل مع واقعنا الحالي، لنبني بها أمة قوية قادرة على مواجهة التحديات المصيرية التي تقف أمامها اليوم. واستحضارها ليس تأريخًا تقليديًا، بل هو وقودٌ استراتيجي لا بد من توظيفه لإعادة بناء الأمة وتوحيدها، خصوصًا في ظل التحديات الراهنة التي تواجهها غزة والقضية الفلسطينية، والتي تشكل اختبارًا حقيقيًا لمدى استيعاب الأمة لدروس ماضيها وقدرتها على رسم مستقبلها بوعي ومسؤولية

غزة: مرآة مصير الأمة

غزة اليوم ليست مجرد ساحة نزاع جغرافي محدود، بل هي محور المواجهة الحاسمة التي تحدد مصير الأمة العربية والإسلامية بأسرها. سقوط غزة لا يعني فقط خسارة أرض فلسطينية، بل يمثل بداية تفكك أوسع يمتد إلى عمق الكيان العربي والإسلامي. فالعدوان على غزة ليس حدثًا منعزلًا، بل هو شرارة نار تشتعل في بيت الأمة، ولن تقتصر ألسنتها على حدود فلسطين فقط، بل ستمتد لتشمل الجميع.

التهديد الذي تواجهه غزة اليوم يشكل جزءًا من مشروع أكبر تسعى الصهيونية إلى تنفيذه؛ مشروع إسرائيل الكبرى الذي لا يهدف فقط إلى السيطرة على فلسطين بل يتطلع إلى احتلال مساحات واسعة تمتد من الأردن وسوريا، مرورًا بالنصف الشمالي لوادي النيل في مصر، ووصولًا إلى الخليج والعراق وشمال إفريقيا بأكمله. هذا المشروع الاستعماري يتطلب من الأمة أن تدرك حجم التحدي وتستعد لمواجهة وجودية ليست فقط عسكرية، بل ثقافية وسياسية، تتعلق بالهوية والكرامة والحق في الحرية والعيش بكرامة.

أمام هذا الواقع القاسي، لم يعد خيار توحيد الصفوف والتكتل المشترك ترفاً سياسياً أو شعاراً عاطفياً، بل ضرورة وجودية لدرء الخطر الداهم. ومن هنا، تفرض اللحظة التاريخية وضع إطار استراتيجي صلب، يقوم على مبادئ واضحة وغير قابلة للتنازل، لتكون الأساس الذي تُبنى عليه خطة المواجهة الشاملة لهذه الأزمة المصيرية:

  1. وحدة الصف: لا نصر حقيقي ولا استقرار مستدام إلا عبر اتحاد الجميع وتوحيد الجهود. الانقسامات والصراعات الداخلية تسهل سقوط الأوطان وتفككها، وهو ما يسعى العدو لاستثماره.
  2. تعبئة شاملة: ضرورة إعلان تعبئة شاملة لكل الدول العربية مدعومة من الدول الإسلامية، مستفيدة من حالة الزخم والتضامن العالمي المتصاعد تجاه ما تواجهه غزة من اعتداءات إسرائيلية تمثل تحديًا للقانون الدولي والأعراف الإنسانية.
  3. حماية مشتركة: إن مصير غزة هو مرآة لمصير الأمة كلها، ولا يمكن فصل الدفاع عنها عن الدفاع عن مقدرات الشعوب العربية والإسلامية. حماية غزة هي حماية للجميع.
  4. استعداد دائم: بناء قدرات دفاعية وتنموية وسياسية متكاملة تُمكّن الأمة من مواجهة التهديدات المتجددة، وليس مجرد ردود فعل آنية.
  5. وعي تاريخي: يجب أن نستخلص العبر من تجارب الماضي وأخطائه، حتى لا نكررها، وأن نضع استراتيجيات مستنيرة تعتمد على فهم عميق للواقع السياسي والتاريخي.
  6. مواجهة شاملة: ليست المواجهة عسكرية فقط، بل تشمل كل الجبهات: الإعلامية لتصحيح الرواية وكشف جرائم العدو، والاقتصادية لدعم صمود غزة، والسياسية لتوحيد القرار والضغط على القوى الدولية.
  7. قرار ذاتي مستقل: الاستقلال في القرار السياسي هو الضمان الحقيقي للكرامة والهوية الوطنية، ويجب ألا يكون القرار مرتهنًا لأجندات خارجية قد لا تخدم مصالح الأمة.

إن مصير غزة اليوم ليس مجرد معركة جغرافية، بل اختبار صارم لإرادة الأمة وميزان لكرامتها أمام التاريخ. أنتم أمام مفترق حاسم: إما أن تصطفوا صفاً واحداً متمسكين بحقكم، أو تسقطوا في هاوية التشرذم والانكسار. الوقوف مع غزة هو دفاع عن شرف الأمة ومستقبلها، وهو عهد بالالتزام بمبادئ العدالة والحرية التي لا تُشترى ولا تُساوم. تذكروا أن المجتمع الدولي لا يحترم إلا من يحمي أرضه ويدافع عن أهله، ويحتقر كل من يساوم على دماء شعبه أو يتقاعس عن نصرة المستضعفين من قومه.

  من الصمت إلى الفعل: دور النخب في إعادة رسم معادلة الصراع

  في قلب العاصفة التي تعصف اليوم بالعالم العربي والإسلامي، لم تعد غزة مجرد مدينة محاصرة تحت نيران القصف وسياسة التجويع، بل تحوّلت إلى المرآة الصارخة التي تعكس مصير أمة بأسرها. إن ما يجري هناك ليس حدثًا عابرًا، بل امتحان تاريخي يحدد إن كنا سنبقى أمة حية تدافع عن كرامتها، أو سنُختزل إلى شعوب مُستباحة الإرادة.

هنا يتقدّم دور النخب الحقيقية — المفكرون والمثقفون، الشباب والأكاديميون، الإعلاميون والعمال، وكل ضمير حر — لا باعتبارهم أصواتًا معزولة أو حركات احتجاجية هامشية، بل كطليعة استراتيجية تقود معركة الوعي الجمعي، وتخوض حربًا فكرية وأخلاقية شاملة في مواجهة المشروع الصهيوني الفاشي، الذي يهدف بلا مواربة إلى الإبادة والتطهير العرقي، وفرض نظام استئصالي عنصري فريد في وحشيته على امتداد التاريخ المعاصر.

إن هذه النخب مطالَبة اليوم بالانتفاض من سباتها، والتحرك وفق منظومة عمل منسقة وعابرة للحدود، لقيادة معركة اليقظة وكشف المستور. عليها أن تفضح البنية العقائدية المتطرفة للمشروع الصهيوني، الذي يستمد شرعيته الزائفة من خطاب توراتي متعصب يكرّس أسطورة “الشعب النقي المختار”، بينما ينكر إنسانية وحقوق الشعوب الأخرى، ويحاول اختزالها إلى مجرد أدوات لخدمة أجنداته الجيوسياسية والاقتصادية. هذا المشروع لا يكتفي بالاحتلال العسكري، بل يطمح إلى السيطرة الكاملة على العقول والموارد، وإعادة رسم خرائط المنطقة، مستغلًا الانقسامات الداخلية والصراعات المفتعلة لفرض هيمنته المطلقة.

بهذا، تصبح المعركة اليوم معركة بقاء، لا معركة حدود، وحرب وعي قبل أن تكون حرب سلاح، ومن يتخلف عن جبهتها سيجد نفسه غدًا خارج معادلة الكرامة والتاريخ.

ومن هذا المنطلق، لم يعد الواقع يقبل الانتظار أو المساومة، بل يفرض تعبئة عاجلة وشاملة لهذه النخب المتنوعة، لتشكيل جبهة عالمية صلبة، تتحرك وفق إطار استراتيجي متكامل، واضح الأهداف، نافذ الرؤية، قادر على خوض غمار هذا التحدي الوجودي بلا تردد. إن بناء تحالف دولي متين مع كل القوى الحرة والنخب الصادقة، التي تُعلي رايات العدالة والحرية وتدين بلا مواربة نظام الإبادة الصهيوني بوصفه جريمة مكتملة الأركان ضد الإنسانية، هو السبيل الأوحد لتفكيك منظومة الاحتلال وإسقاط أوهامه، وتمزيق ستار الدعاية المضللة التي يوظفها العدو لتزييف الوعي وتبرير جرائمه وتمدداته.

إن تراخي الأنظمة العربية والإسلامية، واكتفاؤها بالبيانات الباهتة والمواقف الرمادية، يشكل انكسارًا خطيرًا في جدار الممانعة، ويفتح الطريق أمام مزيد من الجرائم والانتهاكات. ومن هنا، تتقدم الجبهة الفكرية والمجتمعية إلى الصفوف الأمامية، متحالفة مع قوى التحرر الفكري والإنساني عبر العالم، لتكون السد المنيع والحصن الذي لا يُخترق، وضمانة استمرار النضال الفلسطيني كقضية مركزية لا تخضع للتقادم أو المساومة.

فالمعركة الدائرة اليوم ليست مجرد مواجهة بالسلاح على أرض غزة والقدس، بل هي حرب شاملة على ميادين الفكر والثقافة والإعلام والرأي العام العالمي، حيث يُعاد رسم ميزان القوى، وتُحسم مصائر الشعوب، ويُختبر شرف الإنسانية وضميرها الحي؛ ضمير لا يجوز له أن ينام أو يصمت أمام هذا الظلم التاريخي الفادح، لأن الصمت في مثل هذه اللحظة ليس حيادًا، بل خيانة للحق والكرامة والحرية.

عودًا على بدء… ساعة الحقيقة

عودًا على بدء، نحن نقف اليوم على أعتاب لحظة فارقة من تاريخ أمتنا، لحظة تَفصل بين زمنين: زمن الغفلة والتردد، وزمن النهوض والمواجهة. ما يجري في غزة ليس مجرد عدوان على أرض محاصرة، بل هو جريمة إبادة علنية، ورسالة تحذير صريحة لكل بلد في هذه الأمة بأن دوره آتٍ، وأن صمته اليوم هو إذن مفتوح لعدوه كي يطرق بابه غدًا. هذه ليست معركة غزة وحدها، بل معركة الوجود العربي والإسلامي بأسره.

أولًا: مسؤولية الأنظمة – كسر قيد الحياد الزائف

آن الأوان لأن تنفض الأنظمة العربية والإسلامية عن كاهلها عباءة “الحياد” و”المصالح الضيقة”، وأن تعلن مواقف صريحة تليق بحجم التهديد. المطلوب قرارات استراتيجية حاسمة:

  • فرض عقوبات اقتصادية وتجارية ودبلوماسية وعسكرية على الكيان المعتدي.
  • تعليق أي اتفاقيات أمنية أو تجارية تُبقي خيوط التواصل مع العدو.
  • فتح ممرات إنسانية عاجلة إلى غزة دون شروط أو قيود.
  • استخدام أوراق الضغط الإقليمية والدولية لوقف العدوان فورًا.

فمن يلوذ بالصمت أو يختبئ خلف المساومات الدبلوماسية إنما يشارك في الجريمة، وسيكتب اسمه في صفحات الخيانة التي لا تُمحى.

ثانيًا: دور النخب – معركة الوعي قبل معركة الميدان

المفكرون، الأكاديميون، الإعلاميون، الحقوقيون، والمثقفون، هم طليعة هذه المعركة. دورهم ليس رفاهية فكرية، بل واجب استراتيجي:

  • قيادة جبهة وعي عالمية تفضح المشروع الصهيوني وأهدافه الإبادية.
  • تحريك الرأي العام الدولي، وبناء تحالفات مع النخب الحرة في كل القارات.
  • دعم حركات المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS) كسلاح ضغط شعبي.
  • إنتاج خطاب إعلامي وثقافي يقطع الطريق على بروباغندا العدو ويكشف زيف رواياته.
    النخب التي تصمت أو تكتفي بدور المراقب، تتحول بوعي أو بغير وعي إلى أداة إضعاف لجبهة الأمة.

ثالثًا: دور الشعوب – نبض المقاومة ووقود النصر

الشعوب هي قلب المعركة، وهي الضمانة الحقيقية لاستمرارها. التاريخ يشهد أن الشعوب التي تتحرك، تُسقط أنظمة وتغيّر مسار الصراعات. والمطلوب اليوم:

  • تنظيم مظاهرات مليونية في العواصم والمدن الكبرى لفرض إرادة الشارع.
  • إطلاق حملات مقاومة سلمية عبر الإعلام الرقمي لكسر الحصار الإعلامي عن غزة.
  • الضغط الشعبي على الحكومات لاتخاذ مواقف حقيقية، لا بيانات شكلية.
  • دعم مالي وإغاثي مباشر للمحاصرين بطرق مبتكرة تتجاوز البيروقراطية.
    شعب لا يتحرك أمام المجازر، يمنح القاتل رخصة للاستمرار.

رابعًا: خريطة العمل العاجلة – ست خطوات حاسمة

  1. إعلان موقف موحد للأمة ضد العدوان ورفض أي شكل من أشكال التطبيع أو التواطؤ.
  2. فرض عقوبات اقتصادية وتجارية على الكيان المعتدي، والضغط لفرض حظر سلاح دولي عليه.
  3. إرسال مساعدات إنسانية عاجلة بلا شروط.
  4. تحريك القوى الحرة عالميًا للضغط على حكوماتها الموالية للصهيونية.
  5. بناء جسور تواصل مع الشعوب المنتفضة في الغرب وأمريكا اللاتينية وإفريقيا وآسيا.
  6. تأسيس جبهة نخب عالمية تكون رأس حربة المقاومة الفكرية والإعلامية والسياسية ضد المشروع الصهيوني، الذي لن يتوقف عند فلسطين، بل سيتجه لضرب أوروبا وآسيا في موجة انتقامية مهووسة.

وعودًا على بدء، هذه اللحظة هي اختبار أخلاقي وسياسي وحضاري للأمة جمعاء. التاريخ لن يرحم من يختبئ خلف الأعذار، ولن يغفر لمن يضعف الصف أو يساوم على الدم. إما أن نكون في الصفوف الأمامية للحق والكرامة، أو نصبح جزءًا من مشهد الانهيار العام. غزة تنادي، والنداء هذه المرة ليس للإنقاذ فقط، بل للنهوض الشامل. إنها ساعة الحقيقة… فإما أن نكون، أو لا نكون.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى