في اليوم العالمي لكبار السن..
ماذا تحقق للمسنين المغاربة..؟
صوت المتقاعد – 16- 30 شتنبر 2020
ظلت السياسات الحكومية المتعاقبة بالمغرب تتجاهل أوضاع المسنين الذين عانوا من تهميش واضح وشبه تام في مختلف البرامج والمشاريع والإصلاحات القانونية التي من شأنها تعزيز الرعاية الاجتماعية وتدعيم متطلبات أفراد هذه الفئة الهشة.
وقد أدى هذا الوضع إلى جعل المغرب ضمن بلدان عربية تعتمد في رعاية هذه الفئة من المواطنين المتقدمين في السن على الدعم الذي تقدمه الأسرة، ولا سيما بالنسبة لكبار السن الذين يحظون بمحيط عائلي ملائم، فيما يلجأ بعض المسنين إلى دور الرعاية الاجتماعية التي تتلقى جزءً كبيرا من الدعم المادي من قبل أفراد أو جمعيات أو هيئات تنشط في العمل الخيري.
وهكذا أمام محدودية الاهتمام الرسمي بالمسنين المغاربة، يبرز دور الأسرة في كفالة هذه الفئة ومساعدتها في تلبية حاجياتها الاجتماعية والصحية والمالية انسجاما مع القيم الدينية والثقافية المترسخة في المجتمع المغربي برغم انحسار بعض هذه القيم في ظل صعوبات الحياة التي باتت تعرفها كثير من الأسر.
وبالرغم من أن بعض البلدان العربية قد قامت بمجهودات مهمة في تحسين الحماية الاجتماعية لكبار السن، فإن بلدانا أخرى، وضمنهم المغرب، لا زالت تشكو من ضعف أنظمة الرعاية الاجتماعية المخصصة لهذه الفئة.
وفي حديث بهذا الخصوص لجريدة «صوت المتقاعد»، أكدت وزيرة التضامن والتنمية الاجتماعية والمساواة والأسرة السيدة جميلة المصلي أن مسؤولية العناية بالمسن تقع على الأسرة والمجتمع، مما يتطلب العمل على تعزيز التضامن بين الأجيال، وهو ما تستهدفه حملات التحسيس الخاصة بالمسن التي تقوم بها الوزارة.
وأضافت الوزيرة أن قضايا الأشخاص المسنين هي قضية مجتمع لها طابع عرضاني يهم أكثر من جهة، فهي ليست قضية يمكن أن يعالجها راهنا ومستقبلا قطاع حكومي واحد، موضحة أن قضية الأشخاص المسنين هي قضية الجميع بدون استثناء، انطلاقا من الأسر ودورها الحيوي في الرعاية الاجتماعية والنفسية، مرورا بالمجتمع المدني ومؤسسات التنشئة الاجتماعية التي ينبغي أن تبث قيم تكريم الأشخاص المسنين وحمايتهم والعناية بهم، وصولا إلى الأحزاب والحكومة ودورهما في وضع السياسات وفي التشريع وغير ذلك من المهام.
وحسب تقرير لصندوق الأمم المتحدة للسكان، فإن الإهمال الرسمي للرعاية الاجتماعية كجزء لا يتجزأ من السياسة الاجتماعية في المنطقة العربية يرجع إلى التعامل مع السياسة الاجتماعية من منظور العائل الذكر، الذي يمنح الأولوية لنشاط الرجل الذي يمثل الأب الاقتصادي، بافتراض أن الأم أو غيرها من الأقارب الإناث ستتحمل مسؤوليات الرعاية لأفراد الأسرة النووية أو الممتدة.
وضمن هذا الإطار العام، يجري النظر إلى احتياجات المسنين من الرعاية طويلة الأجل في البلدان العربية على أنها مسؤولية أسرية وليست اجتماعية، ويتم استغلال المخالطين أو أفراد الأسرة كوسيلة لتلبية احتياجات الأجيال الأكبر أو الأصغر في محيط الأسرة.
وفي تصريحات التقطتها الجريدة، أكد عدد من المسنين والفاعلين الجمعويين في مجال رعاية هذه الفئة، أن الأسرة المغربية لا زالت تمثل الحاضن الأكبر للمسنين، مبرزين أن ذلك لا يعفي الجهات الحكومية الوصية من زيادة الاهتمام بدعم أوضاع هذه الشريحة باعتبار أن الدستور ينص على المساواة بين المواطنين بغض النظر عن أعمارهم وأوضاعهم، فضلا عن إقرار رسمي بأن الشيخوخة أصبحت ظاهرة بارزة في المجتمع المغربي الذي سيعرف تزايدا مطردا في أعداد كبار السن خلال السنوات المقبلة.
وتؤكد الوزيرة المصلي في حديثها للجريدة أن المغرب يوجد فعلا أمام شيخوخة مجتمعية متنامية، مشيرة إلى أن جزءً كبيرا من هذه الفئة تعاني هشاشة اجتماعية وصحية، وهو ما يطرح تحديا متناميا يتطلب معالجة استباقية ناجعة.
وبرأي الفاعلين الجمعويين، الذين تحاورت معهم «صوت المتقاعد»، فإنه في الوقت الذي تشهد فيه عدة بلدان عربية ترتيبات مؤسساتية للشيخوخة وسن قوانين تحفيزية متعلقة بالمسنين تتعلق بسهولة حركتهم، وسرعة تجاوب المرافق الإدارية والمصالح الإدارية مع احتياجاتهم، وتمكينهم من إعفاءات مالية ومن رسوم المواصلات والتأشيرات السياحية، وإحداث دور وأندية خاصة بالمسنين، فإن ذلك لا زال من تطلعات كثير من المغاربة.
ومما يحتم إدراج المسنين ضمن سياسات ومخططات التنمية الاقتصادية والاجتماعية الوطنية أن أعدادا كبيرة من المسنين المغاربة تنتمي إلى الطبقات الفقيرة، مما يجعلهم عرضة للمعاناة الاقتصادية والصحية التي تدفع بكثير منهم إلى التسول في حال العوز الشديد، أو طلب التكفل بأوضاعهم الصحية لدى المحسنين.
وردا على سؤال ل»صوت المتقاعد» حول ما إذا أصبح المغرب يعرف ظاهرة «شيوخ الشوارع» على غرار «أطفال الشوارع» بسبب تردي أوضاع المسنين، قالت الوزيرة إن هناك حقيقة مُرّة لابد من تسجيلها وهي أن نتائج الدراسة حول وضعية الأشخاص المسنين، التي أعدتها وزارة التضامن والتنمية الاجتماعية والمساواة والأسرة بشراكة مع المرصد الوطني للتنمية البشرية سنة 2017، أظهرت أن هناك تحولات جذرية في البنية الاجتماعية، أصبحت تطغى فيها القيم الفردية والأسر النووية، وسجل فيها دور الأسرة تراجعا ملحوظا على مستوى رعاية كبار السن، وحسب نتائج تلك الدراسة نجد أن 7.3 في المائة من الأشخاص المسنين، الذين تناهز أعمارهم 60 سنة فما فوق يعانون من الإقصاء الاجتماعي وسوء المعاملة، وتبلغ تلك النسبة 7.7 في المائة عند الرجال مقابل 6.8 في المائة عند النساء، مبرزة أن هذه المؤشرات تكشف عوامل الهشاشة المحيطة بالمسنين والتي تفسر جزءا كبيرا من ظاهرة «المسنين في وضعية الشارع».
وأكدت الوزيرة أن حجم «المسنين في وضعية الشارع» بالمغرب متحكم فيه، مشيرة إلى دور عمليات الإيواء التي تقوم بها الوزارة، منها أكبر عملية إيواء للأشخاص في وضعية الشارع عرفها المغرب، والتي نظمتها الوزارة بشراكة مع التعاون الوطني وبتعاون مع مختلف المتدخلين، من سلطات محلية ومجتمع مدني، وجماعات محلية ومصالح خارجية لوزارة الصحة وغيرهم، خلال فترة الحجر الصحي في ظل جائحة كورونا.
وقالت إنه بالنظر إلى «مجموع الأشخاص في وضعية الشارع البالغ عددهم 6673 شخص، وإذا أخذنا 10 ماي 2020 كتاريخ مرجعي، نجد المسنين يبلغون 848 مسن، من بينهم 103 امرأة. وهذه المعطيات التي يوفرها التعاون الوطني تبين أن المسنين لا يمثلون سوى أقل من 12.7 في المائة من الأشخاص في وضعية الشارع. وكما هو معلوم فقد تم إيواء هؤلاء في المراكز الخاصة بذلك، وبعضهم تم إدماجهم في أسرهم».
وبالنسبة للتدابير التي تم اتخاذها من قبل الحكومة لرعاية المسنين على الصعيد القانوني والمؤسساتي، ذكرت السيدة المصلي في حديثها للجريدة أنه «تم إعداد مسودة وثيقة السياسة العمومية المندمجة للنهوض بأوضاع الأشخاص المسنين وإرسالها إلى القطاعات الحكومية المعنية لإبداء ملاحظاتها حول النسخة النهائية حيث تجاوبت القطاعات مع المشروع، وعبرت عن دعمها واستعدادها لمواكبة الوزارة في تنزيل هذا المشروع، وسيتم قريبا تقديم المشروع على أنظار مجلس الحكومة».
غير أن بعض المهتمين يرون أنه على غرار بلدان عربية عديدة، يتعين على المغرب بذل مزيد من الجهود لعلاج الفجوات والتحديات والفرص من أجل المسنين كما حددتها “خطة عمل مدريد الدولية للشيخوخة” (خطة مدريد)، وتحقيق التوصيات التي نصت عليها خطة العمل العربية لسنة 2012، وكذلك الأهداف المبينة في جدول أعمال 2030 للتنمية المستدامة.
وتتمثل تلك التوصيات والأهداف بصفة خاصة في التخطيط لاستيعاب الأعداد والنسب المتزايدة من المسنين لضمان استدامة نظم المعاشات وضمان تأمين الدخل الأساسي في الشيخوخة للجميع، ومساعدة العائلات على تطوير نظم داعمة تضمن حصول فئات المسنين على الرعاية طويلة الأجل التي يحتاجون إليها، وتعزيز الشيخوخة النشطة والصحية، وإدماج المسنين واحتياجاتهم في جميع السياسات والبرامج التنموية على الصعيد الوطني.
كما يتعين العمل على تطوير ثقافة شيخوخة جديدة تقوم على الحقوق، وتغيير الذهنيات
والمواقف الاجتماعية من الشيخوخة والمسنين، من خلال تحويلهم من مستقبلين للإعانات إلى أعضاء نشطين ومساهمين في المجتمع، وتعزيز حقوق المسنين في العمل اللائق من خلال السياسات الداعمة للعمل الصحي والمنتج، بما في ذلك التدريب وأنماط العمل المتحلية بالمرونة.
وحسب فاعلين ومهتمين بموضوع المسنين بالمغرب، فإن البرنامج الحكومي الذي عُرض على البرلمان في أبريل 2017 جاء خاليا من أية سياسة أو مخطط واضح متعلق برعاية المسنين والعناية بأوضاعهم الاجتماعية، اللهم إلا إشارات عابرة ومقتضبة في الصفحة 61 من نص التصريح تتعلق بمشروع إحداث برنامج خاص بصحة الأشخاص المسنين، وهو ما لم يجر إنجازه لحد الآن.
لكن الخطاب السامي الذي ألقاه جلالة الملك محمد السادس في 29 يوليوز الماضي بمناسبة عيد العرش المجيد يفتح باب الأمل في مرحلة جديدة لرعاية هذه الشريحة الاجتماعية وإحاطتها بالحماية اللازمة.
فقد أكد جلالته أن الهدف من كل المشاريع والمبادرات والإصلاحات يكمن في النهوض بالتنمية، وتحقيق العدالة الاجتماعية والمجالية، وفي مقدمة ذلك «توفير الحماية الاجتماعية لكل المغاربة، التي ستبقى شغلنا الشاغل، حتى نتمكن من تعميمها على جميع الفئات الاجتماعية».
كما ذكَّر جلالة الملك في ذات الخطاب بالدعوة للتعجيل بإعادة النظر في منظومة الحماية الاجتماعية، التي يطبعها التشتت، والضعف في مستوى التغطية والنجاعة»، معتبرا جلالته أن «الوقت قد حان لإطلاق عملية حازمة لتعميم التغطية الاجتماعية لجميع المغاربة خلال الخمس سنوات المقبلة».
واعتبر الكاتب العام لفدرالية الجمعيات الوطنية للمتقاعدين بالمغرب السيد بلقاسم الشطري في حديث لجريدة «صوت المتقاعد»، أن المبادرة الملكية السامية «التي جاءت لتنصف أشخاصا كانوا محرومين من أبسط ظروف العيش الكريم.. من شأنها أن تمكن من الوصول إلى ضمان الحق في التمتع بشيخوخة آمنة وسليمة لجميع الأفراد».
وقال السيد الشطري «إني لا أخفي عليكم أننا في الفدرالية نشعر بالحرج أمام أشخاص في سننا لا يستفيدون من الولوج لا للخدمات الصحية ولا للخدمات الاجتماعية، الشيء الذي أدى بالفدرالية إلى المناداة في عدة مناسبات بضرورة التعجيل بوضع برامج تستهدف هؤلاء الأشخاص تُراعى فيها الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، مع التفكر في إحداث حد أدنى للدخل على الشيخوخة تموله وتضمنه الدولة.
وخلص إلى أن المبادرة الملكية جاءت «ليتحقق هذا الحلم الذي طالما روادنا وراود أجيالا كثيرة من المواطنين».