مُصارع الثيران المغرور
افتتاحية العدد 21- 16 / 30 يونيو2021

محمد رضوان
المؤرخون الأروبيون، ومعهم الإسبان، يتفقون أن هناك أزمة حقيقية وأصيلة في الوعي التاريخي والثقافي الإسباني.. فليس هناك اتفاق بين الإسبان عن كيفية تحقيب تاريخهم ولا عن طبيعة الهوية الإسبانية في تاريخ البلاد..
مع هذه الأزمة في الوعي الإسباني ترافقَ عاملان سلبيان لم تستطع إسبانيا التخلص منهما إلى اليوم؛
عقدة النظرة الدونية التي كان الأروبيون، أو الغرب عموما، ينظرون بها إلى إسبانيا التي اشتهرت عندهم بوباء أنفلونزا 1919 والتي حصدت ملايين الأرواح، ومصارعة الثيران العنيفة التي تنم عن روح صدامية متوحشة..
العامل الثاني في أزمة الوعي هذه يتعلق بالنظرة الوهمية إلى الجنوب وتحديدا، المغرب، الذي ظل الإسبان يعتبرونه مصدر تهديد وخطر على وجودهم، وبالنسبة لهم فإن استمرار قبضتهم على سبتة ومليلية المغربيتين هو صمّامُ أمانٍ من الخطر المُحدِق من الجنوب..
عاملان لهما حضور، متجلٍّ وخفي، في السلوك السياسي الحالي لإسبانيا؛ فإلى يوم أمس لم يستسغ الإسبان «الإهانة» التي تلقاها رئيس حكومتهم بيدرو سانشيز من الرئيس الأمريكي جو بايدن في بروكسيل بالتخلص منه بسرعة بعد لقاء خاطف لم يتعد ثوان معدودات، وهو ما اضطر سانشيز للدفاع عن نفسه من «السخرية» التي وضع نفسه فيها، والإهانة التي تعرضت لها بلاده بسببه..
وبالنسبة للجنوب، يدرك الإسبان أن جزءً كبيرا من مصالحهم الحيوية مرتبطة بالمغرب، فمثلما أن إسبانيا بوابة أروبا من الجنوب، فالمغرب بوابة إفريقيا من الشمال، وكان بعض الأروبيين يَعبُرون المضيق ويصلون إلى طنجة ويحتسوا فيها الشاي الأخضر ليعتبروا أقدامهم قد وطِئتْ حقيقةً أرض إفريقيا الشاسعة والمشمسة..
لكن بعض النخب الإسبانية المتشبِّعة بروح اليمين المتطرف يعزُّ عليها تغيير رؤيتها عن المغرب، لا سيما عندما ينظرون إلى ما راكمته التجربة المغربية في السنوات الأخيرة في قضية الصحراء، وفي أفريقيا، وفي الطموح التنموي المستقبلي للمملكة..
بعض الإسبان لا يريدون أن يدركوا أن مُصارع الثيران المغرور، لا محالة سيلقى حتفه وسط الحلبة، ويُعرضُ نفسه لشفقة وربما سخرية الآخرين..