في حوار مع صحيفة “صوت المتقاعد”،النائبة البرلمانية صاحبة مقترح قانون تصفية معاشات أعضاء مجلس النواب «ابتسام عزاوي».. معاشات البرلمانيين نوع من الريع المقنن والمحمي
حاورها: محمد رضوان

صوت المتقاعد- بعد سنة من تقديمكم مقترح قانون حول إلغاء معاشات البرلمانيين، تم طرح هذا المقترح للمناقشة مع بداية الدورة التشريعية الحالية للولاية البرلمانية الأخيرة التي ستعقبها انتخابات 2021، هل اختيار هذا التوقيت له علاقة بالأجندة الانتخابية، أم أن الوقت حان فعلا للحسم في هذا الملف؟
ابتسام عزاوي – صحيح أن موضوع معاشات البرلمانيين ليس جديدا، فقد تم برمجته منذ حوالي أسبوعين بلجنة المالية والتنمية الاقتصادية بمجلس النواب، لكن هذا الموضوع كان مطروحا منذ الولاية السابقة، بحيث كان هناك مقترح قانون وُضع داخل مجلس المستشارين، وبدأ النقاش في 2017 داخل مجلس النواب حول هذا الملف، وتم تقديم مقترحات قوانين متعددة بعضها يتعلق بالإصلاح والإبقاء على صندوق التقاعد، وبعضها دعا إلى مواقف واختيارات أخرى.
من واقع المسؤولية الملقاة على عاتقي كنائبة برلمانية شابة، قمتُ في 2018 بوضع مقترح قانون لتصفية وإلغاء معاشات البرلمانيين لأنني أعتبر أن المهمة البرلمانية هي مهمة انتدابية وطنية نبيلة محددة في الزمان والمكان، وبالتالي فإن جميع التعويضات المتعلقة بمعاشات النواب البرلمانيين يجب أن تكون كذلك محددة في الزمان والمكان، وعليه تم وضع مقترح القانون هذا الذي تقدمت به في 2019 والذي كُتب له أن يُبرمج له أخيرا داخل لجنة المالية والتنمية الاقتصادية في هذه السنة.
صحيح، نحن على مشارف سنة انتخابية بأجندة انتخابية مضغوطة ومكثفة، فأنا أعتبر أن هذا الموضوع أخذ حجما أكبر مما يستحق في النقاش على حساب مواضيع أخرى ذات أهمية وأولوية أكبر، والتي تهم المواطنات والمواطنين، فصندوق معاشات البرلمانيين لا يهم المواطنين في شيء خصوصا في ظل هذه الجائحة الصعبة التي يعيشها العالم والتي تأثرت بها بلادنا أيضا، ونحن اليوم نناقش مشروع قانون المالية 2021 ونستشعر خطورة الوضع المرشح للتفاقم وصعوبات أكبر، لأن الجائحة وتداعياتها لا زالت مستمرة، واليوم هناك موجة ثانية أخطر وأكبر من الموجة التي عرفها العالم في السابق، وشركاؤنا الاقتصاديون الأوائل في أروبا وفي عدد من الدول يعانون الآن بشكل خطير؛ فهنالك عودة لحظر التجول الليلي، وعودة بعض مظاهر التشديد وإغلاق بعض الأنشطة الاقتصادية، وكل ذلك يحمل تأثيرات على الوضعية الاقتصادية والاجتماعية ببلادنا.
إذن، كان ينبغي أن يكون لموضوع معاشات البرلمانيين نقطة نهاية ويتم إغلاق ملفه بصورة نهائية، وأنا سعيدة لتوصلنا أخيرا إلى تقارب وجهات النظر، وبعد ثلاث أو أربع سنوات توصلنا إلى توافق بين كل مكونات أعضاء مجلس النواب، بحيث قام رئيس المجلس بعقد لقاء بين رؤساء الفرق البرلمانية وصندوق الإيداع والتدبير باعتباره المشرف على تدبير صندوق تقاعد البرلمانيين ووزارة المالية، وكان هنالك إجماع من أجل الإلغاء والتصفية.
الآن هناك تساؤلات حول التصفية وكيف يمكن أن تتم، وهي مسالة تقنية محاسباتية، بالنسبة لي أنا قدمتُ موقفا سياسيا وعبرت عنه بالآليات الدستورية التي يمنحها لي القانون كنائبة برلمانية، أما المسائل المتعلقة بالجانب التدبيري المحاسباتي، فهذا متروك لذوي الاختصاص لتوضيحه.
صوت المتقاعد- بعض المحللين يقولون إن معاشات البرلمانيين لا علاقة لها بمفهوم «الريع» الذي تعملون على ترويجه، لأنه يتكون من مساهمات البرلمانيين والدولة، ثم إن هذا النوع من المعاشات معمول به في كثير من الدول بما فيها الديموقراطيات الأروبية؟
ابتسام عزاوي – أعتبر أن تقاعد البرلمانيين هو نوع من الريع المقنّن والمحمي بقانون، لأن البرلمانيين لم يكونوا يستفيدون منه قبل ذلك، هم لم يكونوا يستفيدون منه بشكل عشوائي أو خارج القانون، وهذه ليست سرقة، لأنهم كانوا يستفيدون منه بالقانون، الآن الخلل في القانون، فمبدأ استفادة البرلمانيين من تقاعد تموله الدولة هو مبدأ خاطئ ولا ينبغي أن يستمر، ويجب وضع حد له، وهو ما تم التوافق عليه الآن.
فصندوق معاشات البرلمانيين ممول ب 50 في المائة من مساهمات النواب الذين يمارسون داخل الولاية، بينما تُموَّلُ 50 في المائة الأخرى من مساهمات الدولة، أي من المال العام، وهذا خط أحمر.
صحيح أن مساهمات الدولة في هذا الصندوق ليست هي التي ستسمح بإنجاز الأوراش الكبرى وإصلاح التعليم وتقوية منظومة الصحة التي تعرف حاليا ضغطا كبيرا أو فك العزلة عن العالم القروي أو غير ذلك من المشاكل، ولكن أعتبر ذلك إشارة سياسية قوية.
فلا يُعقل أنني كنائبة برلمانية شابة أظل أتقاضى بعد انتهاء الولاية البرلمانية معاشا كل شهر قدره 5000 درهم معفاة من الضرائب مدى الحياة، وهذا غير معقول، لأن هناك من الموظفين من زاول مهامه طوال 30 عاما في ظروف مضنية وشاقة، ويتقاعد بعد أن يُصاب بأمراض مزمنة ومثقلا بالمشاكل والديون وفي وضعية مزرية وقد لا يتقاضى حتى 2500 درهم كمعاش، وهذا غير عادل.
فالنائب البرلماني هو مثله مثل جميع المواطنين، من حقه أن يكون له معاش تكميلي، وهناك عدد من شركات التأمين الخاصة التي تقدم عروضا محترمة يمكن للبرلماني أن يساهم فيها للحصول على هذا النوع من المعاش انطلاقا من تعويضاته الخاصة وليس من المال العام.
وهذا ينسجم مع الجيل الجديد من الممارسات السياسية التي تنادي بالتخليق، وإعادة النبل للعمل السياسي والممارسة البرلمانية، وهذا هو المنطلق الذي انبعثت منه فكرة مقترح القانون لإلغاء معاشات البرلمانيين كإشارة سياسية قوية للمجتمع.
صوت المتقاعد- بعضهم يتهمونك بالشعبوية باعتبار أن قضية معاشات البرلمانيين من أكثر المواضيع إثارة وجاذبية في مواقع التواصل الإجتـماعي ؟
ابتسام عزاوي – طرحُ هذا المقترح ليس من الشعبوية في شيء، والشعبوية هي عندما يكون نائب برلماني أو مسؤول سياسي لديه أدوات حزبية أو سياسية، أو لديه وسائل رقابية أو نيابية أو تشريعية، ويتوجه إلى مواقف الفايسبوك ويقول «أنا أستنكر»، فالاستنكار يجب تفعيله داخل البرلمان ووفق الآليات المتاحة، إذ لا يُعقل أن يكون للبرلماني أدوات نيابية ولا يستعملها، وعندما يكون في البرلمان يصبح من الصم والبكم، وخارج البرلمان يَدّعي أنه يندد ويصدر المواقف، وهذه هي الشعبوية.
فأنا كانت لدي مواقف وترجمتها وفق ما يسمح لي به الدستور وبحسب ما يخوله لي النظام الداخلي للبرلمان، وقدمت مقترحا بعد نضال مكن من التوصل إلى حل على أساس توافق مكونات المجلس، وهذه ليست شعبوية.
الشعبوية هي ادعاء النضال ضد أنواع الريع السياسي والفساد دون أفعال لتحقيق نتائج ملموسة، وتكون أيضا عندما لا تطابق أقوال الفاعل السياسي أفعاله، فتلك هي الشعبوية.
وهناك مواضيع تحتاج إلى نوع من الجرأة السياسية في إطار احترام النظام الداخلي لمجلسي النواب والمستشارين، وهناك أوراش كبرى ينبغي العمل من أجلها.
صوت المتقاعد- هناك غموض في مواقف كثير من النواب بمن فيهم الذين يقولون إنهم يؤيدون فكرة إلغاء المعاشات، وهناك جدل صاخب في المؤسسة التشريعية إزاء هذا الملف، كيف ينظر إليك زملاؤك تحت قبة البرلمان بعد هذا الإحراج الذي أثاره إصرارك على تصفية معاشاتهم ؟
ابتسام عزاوي – أنا سعيدة جدا لأن البرلمان المغربي أصبح اليوم منفتحا ويتم فيه نقل أشغال اللجان على المباشر وعبر شبكة الأنترنيت، وذلك يمكن الموطنين والمواطنات من الاطلاع على ما يجري داخل هذه اللجان، ويتعرفوا على مرافعاتنا ومواقفنا الحقيقية، وللأسف هناك من له عدة مواقف؛ موقف للصحافة وموقف لكل مجال، وفي أشغال لجنة المالية والتنمية الاقتصادية التي تم بثها مباشرة كانت هناك مداخلات متعددة للفرق البرلمانية، التي كانت مواقفها واضحة، منها ما يدافع عن المقترح بالإلغاء، ومنها ما يدافع عن فكرة إبقاء الصندوق مع الإصلاح.
في المجمل، كانت مواقف معظم مكونات الفرق تتجه نحو اختيار الإلغاء.
ومنذ اليوم الأول الذي طرحت فيه مقترح القانون تقليت اتصالات من النواب البرلمانيين، وخاصة من الزملاء الشباب والشابات المنتمين لمختلف الفرق، والذين عبروا لي عن تأييدهم، مؤكدين أنهم يتبنون هذا المقترح، وبالتالي فالنتيجة التي تم التوصل إليها كانت لجميع مكونات أعضاء مجلس النواب، وأعتقد أنه يجب الاستمرار على هذا النهج وإعطاء إشارات قوية أخرى لأن هنالك مشكلا حقيقيا يتعلق بضعف مؤشر الثقة في الأحزاب والعمل السياسي، فمن المؤسف أن يكون 1 في المائة فقط من الشباب الذين اختاروا الانخراط في الأحزاب السياسية، وهو مؤشر خطير ومقلق، في حين أن كثيرا من الشباب يهتم بالشأن السياسي ويتفاعل حوله داخل مواقع التواصل الاجتماعي، إلا أنهم يرفضون عددا من الممارسات.
اليوم نحتاج إلى جيل جديد من النخب والممارسات السياسية والحزبية تقوم على أساس التخليق أولا وأخيرا.
صوت المتقاعد- إلى جانب معاشات البرلمانيين، هناك دعوات تُطلق من حين لآخر لإلغاء معاشات الوزراء والتعويضات «المرتفعة» لعدد من المسؤولين، ما موقفكم من هذه المطالب؟
ابتسام عزاوي –- هذا موضوع ينبغي تعميق النقاش حوله، وأنا استغرب عندما أرى عددا من المسؤولين السياسيين والنواب البرلمانيين ممن لديهم مواقف صارمة تجاه تقاعد الوزراء ولا يُفعلون الأمر بمقترح قانون، أعتقد أن من لديه موقفا وقناعات وعنده أدوات فيجب عليه استعمالها.
فالأجور المرتفعة وغيرها هي من المواضيع التي تحتاج كذلك إلى نقاش، لكن ذلك لا ينبغي أن يكون على حساب الإدارة العمومية التي تحتاج إلى نخب عالية، وهذا النوع من النخب يحتاج لتعويضات محترمة، لأن الأمر يتعلق هنا بمهنة. وهذا هو الاختلاف مع المهمة البرلمانية التي هي انتدابية وليست مهنة أو وظيفة، فضلا عن أن هناك مسؤوليات تحتاج إلى مواصفات ومؤهلات معينة ينبغي تشجيعها للعمل في القطاعات العمومية، ولذلك يتطلب الأمر تقديم تعويضات محترمة حتى تقوم بأدوار استراتيجية كبرى، لكن مع ربط المسؤولية بالمحاسبة، وأيضا يجب تعويض ومكافأة المسؤولين على كفاءاتهم وخبرتهم.
صوت المتقاعد- كيف تنظرين إلى وضعية المتقاعدين المغاربة؟
ابتسام عزاوي – وضعية المتقاعدين المغاربة موضوع حساس ومهم للغاية، وأتأسف لكون الحكومات السابقة اختارات الحلول السهلة لإصلاح منظومة التقاعد التي تعرف عدة اختلالات.
اليوم هناك ناقوس الخطر، بعدما كان يُقال قبل سنتين إن صناديق التقاعد مقبلة على الإفلاس، والمعطيات الموجودة تشير إلى أن العجز سيبدأ في 2023 أو 2024. لكن للأسف كان الحل السهل بالنسبة للحكومات السابقة هو رفع سن التقاعد والرفع من المساهمات، وهو ما يظهر أن الحكومة غلب عليها في التعاطي مع هذا الملف التدبير العملياتي اليومي عوض اعتماد استراتيجية أو بُعد نظر في الموضوع.
الحكومة كل همها منصبًّ حاليا على الانتخابات، مع أنه لا زالت هناك سنة للعمل، فلماذا لا تطرح الحكومة هذا الورش وتستمع فيه لنا كفرقاء سياسيين، ونحن معها في القضايا التي تخدم مصلحة المواطن ومصلحة المتقاعدين والمتقاعدات.
صوت المتقاعد- هناك ضريبة جديدة في مشروع قانون المالية الجديد تحت اسم «مساهمة اجتـماعية للتضامن» خلفت ردود فعل تتراوح بين التحفظ والتأييد، هل الوضع الاقتصادي والاجتـماعي الراهن يسمح بسن هذه الضريبة؟
ابتسام عزاوي – الحكومة ظلت وفية للحلول السهلة، صحيح، هناك نقص في الموارد في وضعية اقتصادية واجتماعية صعبة جراء جائحة «كوفيد 19» التي لا زالت مستمرة، ولا أحد يعرف متى ستنتهي.
والضريبة التضامنية جيدة، لأن قيمة التضامن من القيم الأساسية التي يتميز بها المواطن المغربي والتي ظهرت بجلاء في ظروف الجائحة. لكن يجب تحديد الفئات المستهدفة بهذه الضريبة، ولا يمكن فرضها على الموظف البسيط الذي يتقاضى 10 آلاف درهم حتى يؤخذ منه 5ر1 في المائة.
فكان ينبغي على الحكومة التوجه نحو القضايا الأساسية التي يبرز فيها ضياع الموارد المالية، ومحاربة الفساد الذي يضيع على البلاد نقطا عديدة للنمو السنوي، ومحاربة مظاهر الرشوة واللاحكامة في الإدارات والصفقات العمومية.
فهذه الضريبة ما هي إلا ذر للرماد في العيون وضغط جديد على المواطن، وشخصيا سأكون من الأصوات البرلمانية الرافضة لهذه الضريبة في الجزء المتعلق منه بالموظفين البسطاء.
صحيح أن هناك حاجة لموارد الدولة، لكن ينبغي التفكير في حلول أخرى.
صوت المتقاعد- أنت على غرار بعض البرلمانيين الشباب، تعتـمدين على مواقع التواصل الاجتـماعي في التفاعل مع روادها، ما هي القيـمة المضافة التي تتيحها هذه الوسائل للفاعل السياسي والحزبي..؟
ابتسام عزاوي – لا شك أن الديجيتال ومواقع التواصل الاجتماعي أصبحت اليوم ضرورة وليست اختيارا، الفاعل السياسي اليوم وكذلك الشخصيات العمومية والفاعلين المدنيين لا بد أن يتواجدوا في هذا الفضاء من أجل المساهمة في التوعية والتعريف بالأنشطة والتواصل.
والأمر يتعلق بفرصة تتاح لنا للتواصل مع المواطنين والمواطنات وتمكننا من تجاوز العديد من الصعوبات في التفاعل معهم بشكل تقليدي، فأنا كبرلمانية شابة أنتمي إلى جيل استعمال هذه الأدوات الحديثة، وهذا يعطينا فرصة للتواصل خصوصا أننا مقبلون على حملة انتخابية في ظل جائحة «كوفيد 19»، والتي ربما سينعدم بسببها عقد لقاءات مباشرة أو تجمعات جماهيرية كبرى.
ولا شك أن الطريقة المثلى للوصول إلى أكبر عدد من المواطنين تكمن في هذه الوسيلة الرقمية، وذلك من أجل التوصل بالانتقادات البناءة، وتصحيح ما يمكن تصحيحه من المغالطات الكثيرة التي يتم ترويجها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، التي أصبحت مؤثرة في الفعل السياسي، وتلعب دورا في التعبئة مثلما حدث في فضيحة مشروع القانون 22/20 الذي تم تداوله واستنكاره في هذه المواقع قبل إلغائه.
لكن هناك أيضا خطر استغلال هذه المواقع في تهييج وتأجيج الرأي العام في اتجاهات خاطئة تخدم مصالح أشخاص أو جهات ذوي نيات سيئة. لذلك، فموضوع وسائل التواصل الاجتماعي ينبغي أن يؤخذ بحذر كبير.
في هذا السياق، أتأسف لكون أحزابنا لا تتوفر على استراتيجيات رقمية قوية، فالموقع الإلكتروني أو الحساب على الفايسبوك أو تويتر لا يعني أن للحزب السياسي استراتيجية أو سياسة تواصلية رقمية.
ومن واجبنا كقيادات شابة داخل أحزابنا أن ندعوها للانفتاح على هذه الفضاءات التي يتم التقليل من قيمتها، وقد يكون لها دور كبير في الانتخابات المقبلة.
العدد 6 – 01/ 15 نونبر 2020