صورة المتقاعد في ذهنية المغاربة

المتقاعد المغربي ضحية صورة سلبية في ذهنية المجتمع
وعوض تغيير الصورة النمطية.. يستسلم المتقاعد المغربي لتكريسها في الذهنية الجماعية
صحيفة لبيب – صوت المتقاعد.. عموما، تغلب صورة سلبية عن المتقاعد في مخيال أو ذهنية المغاربة بمن فيهم المتقاعدون أنفسهم.
والواقع أن المتقاعد المغربي ليس وحده ضحية هذه الصورة السلبية، وإنما يشاركه فيها عامة المتقاعدين في المجتمعات العربية، التي يسود فيها تصور خاطئ عن مرحلة التقاعد باعتبارها مرحلة توقف شبه نهائي للعمل، وبذل الجهد والمساهمة في خدمة المجتمع.
كما تقترن هذه المرحلة في كثير من مجتمعاتنا العربية بالمشاكل المادية والنفسية والاجتماعية والصحية، مما يجعل المقبلين على التقاعد متخوفين من هذه التجربة الجديدة في حياتهم، ويفضلون تجاهلها وعدم الاكتراث بها.
دور العوامل الذاتية في تحصين شخصية المتقاعد من التصورات السلبية
لكن العوامل الذاتية للمتقاعد تلعب دورا مهما في التغلب على التأثيرات النفسية لهذا التصور السلبي الجماعي عن هذه الفئة؛ فدرجة الوعي، وأفق التفكير، ومستوى التعليم، ومحيط الحياة الإيجابي من العوامل التي تساهم في تجنب السقوط في تداعيات حالة نفسية قائمة على الأوهام أكثر مما هي واقعية أو موضوعية.

ولذلك، نجد بعض المتقاعدين يحبون أن يطلقوا على هذه المرحلة من العمر بعد الستين عاما أو بعد الإحالة على التقاعد في المغرب وفي بعض البلدان العربية بمرحلة «العمر الذهبي»، نظرا لما تتيحه من فرص تجديد الحياة والإبداع والإنجاز بعد التخلص من الإكراهات التي كانت تفرضها ظروف وقوانين العمل الوظيفي.
متقاعد اليوم.. شباب وحيوية
لقد أصبح معظم المغاربة المحالين على التقاعد بعد الستين عاما يظهرون في صورة تتسم بالشباب والحيوية، وعِوض التهيُّؤ للحفاظ على هذه الصورة بممارسة أنشطة وأعمال وخدمات ومواهب جديدة (غير روتينية) للحفاظ على تلك الطاقة الجسدية والذهنية، يركنُ العديد منهم نحو مظاهر الراحة والخمول بحجة أن مهمته انتهت بنهاية عمله الوظيفي.

وبينما تعج الحياة بالحركة والنشاط، يعاني المتقاعد الخامل من الإحساس بالفراغ والرتابة والملل، وهو ما يكرس تلك الصورة السلبية التي لا تلبث أن تنتقل عدواها إلى متقاعدي الغد.
إخفاء التقاعد.. أزمة وجودية
وهناك فئة من المغاربة تسعى للتخلص من هذه الصورة السلبية في بداية إحالتها على التقاعد بإخفاء ذلك عن كثير من المعارف والأصدقاء وحتى عن بعض أفراد العائلة، وهو ما يعكس «أزمة وجودية» لدى هذه الفئة بحسب خبراء.
بداية التجربة صعبة
والحقيقة أن التقاعد قد يكون في بدايته تجربة صعبة على كثير من الأفراد لِمَا تسبقه من تصورات وتمثلات سيئة في الخيال الفردي والجماعي عن هذه المرحلة الجديدة، وذلك ليس في المغرب أو العالم العربي فحسب، وإنما حتى في البلدان المتقدمة كالولايات المتحدة.
فقد أجرت أستاذة في كلية «هارفارد» تُدعى «تيريزا أمابيل» وفريق متعاون معها، على مدار أربع سنوات، مقابلات خاصة شملت 120 من أصحاب المهن المختلفة في ثلاث شركات في مناطق مختلفة بالولايات المتحدة بغية معرفة وجهات نظرهم بشأن التقاعد.
وسأل الفريق مجموعة الموظفين المشاركين في الدراسة عن رأيهم في التقاعد خلال مراحل مختلفة من حياتهم المهنية، وكذلك بعد إحالتهم على المعاش.
لا نريد أن نكون خارج السلب
ومن الجوانب الأكثر إثارة للاهتمام التي كشفت عنها الدراسة، ما يتعلق بردود المتقاعدين على سؤال كيف يصفون أنفسهم.
وتوضح أمابيل أن هؤلاء كانوا يردون عن السؤال قائلين؛ (أنا أمين مكتبة متقاعد)، أو (أنا معلم متقاعد)، أو (أنا باحث كيميائي متقاعد)، أي يواصلون ربط أنفسهم بالمهنة السابقة في جميع الأحوال.
وتضيف هذه الباحثة قائلة؛ «بعضهم يُنكر أنهم أحيلوا على التقاعد، وهو أمر لافت للغاية، ويتحدثون عن مهنتهم، على الرغم من أنهم ما عادوا يزاولونها اليوم».
وتقول «حين سألناهم لماذا يفعلون ذلك؟ أجابوا إنهم لا يرغبون في أن ينظر إليهم أحد على أنهم أشخاص خارج السرب.
وأحدهم قال: لا أريد أن ينظر إليّ أحد على أنني من عالم الأمس، أريد أن أكون من عالم اليوم».

ولو بإشارة تحية من بعيد
وفضلا عن أن مثل هذا الشعور يحذو كثيرا من متقاعدينا المغاربة أيضا، فإن هناك فكرة مجتمعية خاطئة سائدة حتى عند طبقة من المسؤولين المغاربة ترى أن المتقاعد شخص انتهى دوره ولم يعد يدين بشيء أكثر من معاشه في نهاية الشهر، ولذلك عندما يمر المتقاعد المغربي أمام مقر إدارته أو عمله السابق تنتابه صدمة حينما لا يلتفت إليه أحد ولو بإشارة تحية من بعيد.