تقاعد المرأة المغربية.. مرحلة متجددة في حياتها أم أعباء اجتماعية إضافية..؟
المرأة المتقاعدة أقل إحساسا بالملل من الرجل المتقاعد

إعداد: ر. ضحى
بخلاف الرجال المقبلين على التقاعد، تنتظر معظم النساء العاملات أو الموظفات بفارغ الصبر موعد إحالتهن على المعاش، للتخفُّفِ من أعباء العمل الوظيفي والتفرغ لحياتها الأسرية.
وفي المغرب، تنظر كثير من المتقاعدات المغربيات لمرحلة التقاعد بنظرة إيجابية وتعتبرنها تجربة جديدة في مشوار حياتهن بعد قضاء معظمه خارج البيت. وعلى الرغم من أن المرأة المتقاعدة المغربية تجد نفسها أمام بعض المسؤوليات الإضافية كرعاية الأحفاد، إلا أنها لا تعتبر ذلك من الأعباء وإنما من وظائفها الطبيعية في الحياة.
وهناك فئة من المتقاعدات المغربيات تفضلن الانخراط في العمل الجمعوي لصالح المجتمع، وغالبيتهن ينجحن في أداء رسالتهن ووظائفهن الطوعية الجديدة مستفيدات من خبرتهن الوظيفية السابقة.
المرأة المتقاعدة أقل إحساسا بالملل من الرجل المتقاعد
يلاحظ خبراء اجتماعيون أنه في الوقت الذي تزداد فيه مشاكل الرجل المتقاعد ومشاحناته داخل البيت بسبب الممل والروتين اليومي الذي يشعر به في حال عدم الاهتمام بأنشطة جديدة، تتفرغ المرأة لبيتها وتقبل على وظيفتها كأم أو زوجة أو جدة لأحفاد يملأون حياتها.
وكثيرا ما تلجأ النساء الموظفات، في المغرب كما في عدد من البلدان العربية، إلى طلب تقاعد مبكر للقيام بهذه المهام التي تجد فيها انسجاما مع دورها ومسؤولياتها الأسرية، وتنتظر بعض الأسر هذه المرحلة من تقاعد المرأة باعتبارها تفسح المجال أمامها لتزويد أسرتها بطاقة إيجابية وللتفرغ لشؤون أسرتها مستفيدة مما راكمته من خبرة وقدرة على اتخاذ القرار خلال فترة العمل..
لكن، في الوقت الذي تعتقد فيه كثير من النساء أنّ التقاعد سيفتح أمامهن المجال لتفادي أعباء الوظيفة والراحة في البيت، تجد بعضهن أنفسهن أمام وضع مختلف وغير مألوف مما يتسبب لها في مشكلات ومشاحنات عديدة..
مشاحنات المرأة المتقاعدة
كثيراً ما تعود مشاحنات المرأة المتقاعدة داخل أسرتها إلى شعورها بالفراغ وعدم الاشتغال بأنشطة حياتية يومية. وبحسب خبراء، فإن مشاحنات المرأة المتقاعدة مع الزوج أو الأبناء أو حتى الجيران تعود في الغالب إلى غياب تخطيط مسبق لهذه المرحلة الجديدة، إذ على غرار بعض الرجال، تجد بعض النساء المتقاعدات أنفسهن فجأة بلا هدف، مما يوقعهن في إشكالات مع الزوج والأبناء وحتى الخادمة بحيث يكون الفراغ هو العامل الرئيسي لتلك النزاعات.
غير أن حالات طلاق ما بعد التقاعد تكون قائمة وملاحظة، لدى الخبراء والاستشاريين الأسريين، غير أن سببها الرئيسي في الغالب يكون هو الزوج المتقاعد، الذي «يتدخل في كلّ صغيرة وكبيرة ويفتعل المشكلات مع الزوجة، في حين أنّ الزوجة المتقاعدة تتفرغ بدورها لمراقبة الزوج ومتابعة تحركاته والضغط على الأبناء، بما يجعل الزوج يتمنى عودة الزوجة للعمل».
الاستعداد النفسي خطوة مهمة للمرأة المتقاعدة
لا شك أن التقاعد مرحلة حتمية في حياة كل عامل وعاملة أو موظف وموظفة، وهذه المرحلة تحتاج تهيئة نفسية ومالية وفكرية، إذ إن الاستعداد النفسي يكون من خلال إدراك المرأة أن الوظيفة قابلة للزوال بعد مدة طويلة من العطاء، لذلك يفترض ألا تكون الوظيفة محور حياة أي شخص وليست المرأة فقط، كما يجب أن توسع نشاطاتها الاجتماعية والثقافية والرياضية، الأمر الذي يخدمها ويساعدها على التقاعد من خلال عدم الإحساس بتغير نظام الحياة، إضافة إلى ضرورة المحافظة على الصداقات المهمة والاشتغال بالأمور البسيطة وغير المعقدة والبحث عن السعادة والفرح.
ولتحقيق توافق في مرحلة التقاعد مع حياة المرأة ينبغي على هذه الأخيرة أن تتصالح مع ذاتها وتبدأ حياتها من جديد وتستثمرها في أمور متعددة، منها القراءة والمطالعة وتقوية علاقاتها الاجتماعية، إضافة إلى الاهتمام بالصحة العامة، وممارسة الرياضة، واستغلال الأوقات في أعمال يمكن أن تزيد من ثقتها وتعزز مكانتها داخل الأسرة وفي المجتمع.
الحياة لا تنتهي بعد الخمسين
قبل ثلاث سنوات تحدثت وسائل إعلامية عن تجربة خاضتها طبيبة مغربية متقاعدة بالرباط بتأسيسها لنادي أُطلق عليه اسم «الحياة لا تنتهي بعد الخمسين»، وهذا النادي مخصص للنساء المتقاعدات، بحيث يجتمعن لممارسة أنشطة مختلفة، ويكتشفن مواهب دفينة لم تسمح لهن سنوات حياتهن السابقة باكتشافها.
ونقل موقع «أصوات مغاربية» عن مؤسسة ومديرة النادي، ليلى حمداوي وهي طبيبة متقاعدة كانت متخصصة في الطب الإشعاعي، أنها بعد حصولها على التقاعد عام 2011، لم تحتمل فكرة مكوث طوال النهار في البيت، وهي التي اعتادت على العمل، لتتبادر إلى ذهنها فكرة إنشاء ناد تقضي فيه النساء فوق الخمسين وقتهن ويمارسن فيه أنشطة مختلفة.
وأوضح المصدر؛ «حين تقاعدت مؤسسة النادي، قعدتْ في البيت لمدة تتراوح بين سنة وسنتين. لم تتمكن من تحمل ذلك الوضع، وحينها فكرت في إنشاء مكان حيث تجتمع النساء ويقمن بأنشطة معينة بدل الجلوس في البيت».
وبالنسبة للأستاذة الجامعية المتقاعدة، فريدة الشامي، فإن وضعها لا يختلف كثيرا عن حكايات النساء المتقاعدات اللواتي يرتدين النادي، فقد انخرطت في اهتمامات النادي بعد أن بدأت تشعر ببعض الفراغ بعد حصولها على تقاعد مبكر عن طريق «المغادرة الطوعية».
وتروي الشامي ل»أصوات مغاربية»؛ «الأبناء كبروا، كل واحد سلك طريقه، والزوج ما زال يعمل»، تم تضيف أنها وجدت نفسها، بعد تقاعدها، وهي تقضي وقتا في البيت كان أكبر من أن تملأه المطالعة وحدها، قبل أن تعثر على ما ترغب في هذا النادي الذي تصفه بـ»المتنفس»، والذي ترى فيه مكانا يوفر للنساء فرصة الاهتمام بأنفسهن.
لكل مرحلة من العمر جمالها
يرى خبراء أن المرأة بعد التقاعد يجب أن تدرك أن لكل مرحلة من العمر جمالها، والتقاعد عن العمل الرسمي هو في الحقيقة انتقال من مرحلة إلى أخرى من العطاء والعمل، إذ لا تتوقف حياة الإنسان عند بلوغه سن التقاعد، لذلك يفترض تحسين النظرة إلى المتقاعد بتحويلها إلى نظرة ايجابية، كما يجب تعزيز ثقته بنفسه، كونه يمتلك خبرات وقدرات ومواهب عالية، إضافة إلى التخطيط وعدم ترك الأمور تسير بعشوائية، وهي أخطر الأمور وأكثرها انتشاراً في المجتمع.
العدد 14 – 1 / 15 مارس 2021